Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 23-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } إلى قوله { وَحُسْنُ مَآبٍ } . معناه : أنه فسر { عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } ما هي ؟ فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي : جنات إقامة لاظَعْنَ معها ، يدخلها هم { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } : أي : من عمل صالحاً منهم . قال ابن مسعود : جنات عدن : بُطنانُ الجنة . قال أبو مِجْلَز : علم الله ( عز وجل ) أن المؤمن يحب أن يجمع له شمله ، فجمعهم الله ( عز وجل ) ، له في الآخرة . وقال ابن جريج : معناه من آمن في الدنيا . ثم أخبرنا الله ( عز وجل ) عن حالهم إذا دخلوا الجنة ، فقال : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } يقولون : { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } على طاعة الله ( عز وجل ) في الدنيا . { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } . وسلام عليكم : خبر ، معناه : الدعاء لهم ، أي : سلمكم الله بما صبرتم ، وليس هو تحية ، لأن التحية ليست بجزاء للصبر . ولكن دعاء الملائكة لهم بالسلامة جزاء الصبر . والخبر : يأتي بمعنى الدعاء ، كثير في القرآن والكلام . وقوله : { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } : الخبر محذوف ، وتقديره : فنعم عقبى الدار ما أنتم فيه . وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب . روي عن ابن عمر ( و ) أنه قال : إن في الجنة قصراً ، يقال له : عدن ، حوله البروج والمروج ، فيه خمسة آلاف ، ( باب ، على كل باب خمسة آلاف ) حِبَرة ، لا يدخله إلا نبي ، أو صديق ، أو شهيد . وقال الضحاك : { جَنَّاتُ عَدْنٍ } مدينة الجنة ، فيها الرسل والأنبياء ، وأئمة الهدى ، والناس حولهم بعد ، والجنات حولها . ومعنى : { بِمَا صَبَرْتُمْ } : أي بصبركم في الدنيا على عمل الطاعات ، وعلى الانتهاء عن المعاصي . وهذا هو أفضل الصبر ، أن يصبر الإنسان على فعل ما أمر ( ه ) الله به ، وعلى ترك ما نهاه ( الله ) عنه . وروي أن قوله : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [ الرعد : 19 ] الآية ، نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وفي أبي جهل ، لعنه الله . ثم أخبرنا الله بحال الكفار ، بعد إخباره لنا بحال المؤمنين ، فقال : { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } [ الرعد : 20 ] : أي : ويخالفون ما أمرهم الله ، عز وجل ، من بعد ما وثقوا على أنفسهم لله ( عز وجل ) ، أن يعلموا بما عهد إليهم ، إذ قال لهم : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] . ثم قال ( تعالى ) : { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } وهو الرحم وقيل : يفرقون بين الإيمان بجميع الأنبياء ، فيؤمنوا ببعض ( ويكفرون ببعض ) . والله أمرنا بالإيمان بجميعهم . قوله : و { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : يعملون فيها المعاصي . { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } أي : لهم البعد من رحمة الله . { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } أي : لهم ما يسوؤهم من الدار الآخرة ، وهي النار ، أعاذنا الله منها . وقيل معناه : سوء العاقبة . ثم قال تعالى ذكره : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ ( وَيَقَدِرُ ) } أي : يوسع على من ( يشاء ، ويضيق على من ) يشاء . { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي : فرح المشركون بما وسع عليهم في الدنيا ، ولم يُفكروا أن متاع الدنيا عند متاع الآخرة قليل . وهذه الآية فيها تقديم وتأخير ، لأن { وَفَرِحُواْ } ( معطوف على { وَيُفْسِدُونَ } في الأرض ) . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } إلى قوله { ٱلدَّارِ } : مقدم قبل { وَفَرِحُواْ } وتقدير الآية : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، وفرحوا بالحياة الدنيا ، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع : أولئك لهم اللعنة ، ولهم سوء الدار ثم ابتدأ : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ } . ثم قال تعالى : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } أي : تقول قريش : هلاّ أنزل عليه آية تدل على نبوته ، كما قالوا : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } [ هود : 12 ] ، فأخبر عنهم بما يشترطون ، ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : قل لهم يا محمد : { إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي : يخذل من يشاء ، فيصرفه عن الهدى ، ويوفق من يشاء ، فيرجع إليه ، ويتوب من كُفره . فالهاء في " إليه " تعود على الحق ، وقيل : على محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : على الإسلام . وقيل : على الله ، جل ذكره ، على معنى ( إلى ) دينه . ثم بَيّن تعالى من ينيب إليه { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } : أي : الذين يتُوبون هم الذين آمنوا ، وتطمئن قلوبهم بذكر الله : أي : تسكُنُ ، وتستأنس بذكر الله . قال سفيـ ( ـا ) ن بن عيينة : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } تطمئن قلوبهم / بأمر الله وقضائه . وقال قتادة : هشت قلوبهم إلى ذكر الله ، فاستأنست به . قال الضحاك : { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } : أي : تصدق قلوبهم بذكر الله والقرآن . { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } أي : " تستأنس ، وتسكن قلوب المؤمنين " . وقيل : عني به قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } المعنى : الذين صدقوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وعملوا الأعمال الصالحات { طُوبَىٰ لَهُمْ } : أي : نِعم ما لهم . قاله عكرمة . وقيل : معناه : غبطة لهم . قاله الضحاك . وقال ابن عباس : فرحٌ لهم ، وقُرَّة عين . وقال قتادة : معناه : " حسنى لهم ، وهي كلمة من كلام العرب " . وقيل : المعنى : أصابوا خيراً : تقول العرب للرجل : " طوبى لك " أي : أصبت خيراً . وقال النخعي : { طُوبَىٰ لَهُمْ } أي : خيراً لهم . وقيل : هي اسم من أسماء الجنة . فالمعنى : الجنة لهم ، رُوي ذلك عن ابن عباس ، قال : طوبى لهم : اسم الجنة بالحبشية . وروي عنه أيضاً : طوبة لهم : هي اسم أرض الجنة بالحبشية . وقيل : طوبى لهم : اسم الجنة بالهنديـ [ ـة ] . وعن عكرمة أيضاً : طوبى لهم : الجنة لهم . وعن ابن عباس : إنما طوبى لهم : اسم شجرة في الجنة . وقال شهر بن حوشب : طوبى لهم شجرة في الجنة ، أغصانها من وراء سور الجنة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنها شجرة في الجنة . " وسئل عليه السلام : ما طوبى ؟ فقال : شجرة في الجنة ، مسيرها مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ، غرسها الله ، عز وجل بيده ، ونفخ فيها من روحه . تنبت الحلي والحلل ، وإن أغصانها لتُرى من وراء سور الجنة " ومعنى : { وَحُسْنُ مَآبٍ } : حسن منقلب ومرجع . وقال أبو أمامة الباهلي : طوبى : شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها ، ولا طير حسن إلا هو فيها ، ( ولا ثمرة إلا وهي فيها ) وموضع ( طوبى ) : رفع بالابتداء ، و { لَهُمْ } : الخبر ، ودلَّ على أنها في موضع رفع قوله : { وَحُسْنُ مَآبٍ } بالرفع بلا اختلاف بين القراء ، وهي " فُعْلَى " ، من " أطيب " فالواو منقلبة عن ياء لضمه بالفعل ، وأصلها " طُيْبى " على " فُعلى " . لكن لما كانت اسماً غير صفة ، ردت إلى فعلـ ( ى ) ، لخفة الأسماء ، فانقلبت الياء واواً لانضمام الأول . ألا ترى أن ضمير أصل الياء فيها واو ، وأصلها " فعلى " ( على ) صور . ولكن لما كانت صفة ، ردت إلى الياء للخفة ، وثقل الصفة . ودل على أنها فعلـ ( ـى ) أنـ ( ـه ) ليس في الصفات ( فعلى ) : وهي في الآية صفة " لقسمة " . فعلم أن أصلها فعلـ ( ـى ) ، فجاز أن تقع فعلـ ( ـى ) صفة ، لأنه يقدر فيها أصلها ، وهو فعلى " ، ولولا ذلك ما جاءت فعلـ ( ـى ) صفة . وحَسُنَ رَدُّها إلى فُعلى لما ذكرناه من ثقل الصفة ، فخففت بردها إلى الياء ، لأن الياء أخف من الواو . وكذلك ردت طوبى إلى الواو . ولأنها اسمٌ ، والاسم أخف / من الصفة ، فسهل نقله إلى الواو ، وإن كانت الواو أثقل من الياء .