Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 38-40)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } إلى قوله { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } المعنى أن الله ( عز وجل ) أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم ، أنه قد أرسل من قبله رسلاً إلى أمم قبل أمته ، وأنهم بشر مثله : لهم أزواج وذرية ، وأنه لم يجعلهم ملائكة ، لا ينكحون ولا ينسلون ، ولم يكن { لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : ما يقدر أن يفعل ذلك رسول إلا بإذن الله . والمعنى : لا يقدر رسول ( الله ) أن يأتي بعلامة ، ( أو ) آية : من تسيير الجبال ، ونقل بلدة إلى بلدة أخرى ، وإحياء الموتى ، وغير ذلك من الآيات التي سألت قريش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : ( إلا ) بإذن الله له أن يسأل الآية فيعلم أن في ذلك صلاحاً . وقيل : إن هذا الكلام لفظه حظر ، ولا يجوز أن يخطر على أحد ما لا يقدر عليه . فظاهره خطر ، ومعناه : نفي . وتقديره : وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله . نفى الله ذلك عن الرسل وبرأهم منه ، ( ومثله ) : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ } [ آل عمران : 161 ] ، { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ } [ آل عمران : 145 ] . وهو كثير في القرآن ، ظاهره الحظر ( والمنع ) ، ومعناه النفي . قوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : " لكل أمر قضاه الله ، كتاب كتبه فهو عنده " . وقيل : المعنى : لكل كتاب أنزل الله من السماء أجل : فيمحو الله من ذلك { مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } ما يشاء ، { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } . قال الفراء : هذا مقدم ومؤخر ، معناه : لكل كتاب أجل ، كقوله : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ ق : 19 ] : أي : سكرة الحق بالموت . ( وقد قيل : إنه لا تقديم في هذا ) ، ولا تأخير ، والمعنى : وجاءت سكرة الموت لأن سكرة الموت غير الموت . فالحق : هو الموت الذي ختمه الله على جميع خلقه . وقيل : معناه : لكل مدة كتاب مكتوب ، وأمر مَقَدَّرٌ ، مقضى لا تقف عليه الملائكة . ثم قال تعالى : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } أي : يَمْحُوَ الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره ، إلا الشقاء والسعادة ، فإنهما لا يغيران قاله ابن عباس . وقال مجاهد : يدبر الله أمر السنة في رمضان ، فيمحو ما يشاء ( من ذلك ) إلا الشقاء والسعادة ، والموت والحياة . وتدبير ذلك في ليلة القدر . وعن ابن عباس أيضاً معناه : يمحو ما يشاء ، ويثبت من كتاب سوى ، أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء . قال ابن عباس : هما كتابان : كتاب يمحو منه ما يشاء ، ويثبت وعند ( ه ) أم الكتاب : لا يغير منه شيء ، وهو قول عكرمة . وعن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : يمحو كل ما يشاء ، ويثبت كل ما أراد وسمع / ، وهو يقول في الطواف : اللهم إن كنت كتبت علي الذنب والشقاء ، فامْحَنْي واكتبني في أهل السعادة . فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب . وهو قول ابن مسعود وسفيان . وعن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أن معناه : يمحو الله ما يشاء من أحكام كتابه ، فينسخه ، أو يبدله ، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، ولا يبدله . { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، ما ينسخ ، وما لا ينسخ . وهو اللوح المحفوظ . وهو قول قتادة ، وابن زيد وابن جريج ، وعليه أكثر أهل المعاني ، وعامة المفسرين ، وهو شاهد لجواز النسخ ( في القرآن ) . وقيل : معناه : يمحو الله من قد حان أجله ، ويثبت من لم يحن أجله . قاله الحسن ، قال : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } : أي : أجل بني آدم في كتاب الله ، ( عز وجل ) يمحو الله ما يشاء ، من جاء أجله ، ويثبت الذي هو حي حتى يجيء أجله . وعن ابن عباس من رواية أبي صالح ، عنه أنه قال : إن أعمال العباد تعرض على الله مما كتبت الحفظة ، مما ليس للإنسان ، ولا عليه . فيمحو ما ليس له ، وما ليس عليه . ويثبت ماله ، وما عليه ، فيجازى بذلك . فالحفظة تكتب كل شيء ، والله يمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، دليله قوله تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] : أي : حاضر . وعن مجاهد رضي الله عنه : أنها نزلت في قريش ، قالت : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قالت : ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر ، فنزلت هذه الآية تخويفاً لهم ووعيداً . { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } ما يشاء ، أي : إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما نشاء وروي ذلك أيضاً ( عن الحسن ) . وعن ابن عباس : أن المعنى ينسخ الله ما يشاء من القرآن ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، وقاله محمد بن كعب . وعن عكرمة مثله . وروى ابن جبير ، عن ابن عباس في معنى الآية : أن الله ، جل ذكره ، يدبر أمر السنة في ليلة القدر ، فيمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء إلا الموت والحياة ، والسعادة والشقاء : وكل ( هذا ) قد تقدم في علمه ، علم ما يكون بلا أمد . وقيل : المعنى يغفر ما يشاء من ذنوب عباده ، ويترك ما يشاء فلا يغفره قاله ابن جبير . وقيل : المعنى : يمحو الله ما يشاء مما تكتب الحفظة ، مثل الأشياء التي ليس للإنسان ، ولا عليه ، ويثبت ما له ، وما عليه . قاله أبو صالح ، وقالـ ( ـه ) أبو سليمان الداراني : قال : يمحو الله ما ليس بحسنة ، ولا سيئة ، ويثبت ما هو حسنة ، وما هو سيئة . { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي : ذلك ( كله ) في اللوح المحفوظ ، قد جرى به القلم قبل خلق الخلق . وعن ابن عباس أيضاً : / أنه قال في قوله { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ، قال : يكتب كل ما يتكلم به العبد من خير ، أو شر حتى إنه ليكتب : أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت . حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله جملة . فأقر ما كان فيه من خير وشر ، وألقى ما عدا ذلك وذلك قوله : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } . واختار جماعة من أهل العلم قول الحسن ومجاهد : يجعلونه جواباً للمشركين . وقوله : { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } . قال الحسن : أم الكتاب : الحلال والحرام . والحمد لله هي أم القرآن . وقيل : أم الكتاب : اللوح المحفوظ . وقال قتادة : { أُمُّ ٱلْكِتَابِ } : جملة الكتاب ، وأصله : أي : جملة ما ينسخ ، وما يثبت . وقال كعب : علم الله ما هو خالق ، وما يعلم خلقه . يقال : محوت الكتاب ، أمحوهُ محواً ، وهي لغة القرآن . ويقال : محوته ، أمْحَاهُ ، محواً ، ومحيت ، أمحى لغة . ثم قال تعالى : { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } : أي : إن أَرِيَنَّكَ يا محمد ! بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب . { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } : قبل ذلك ، فليس عليك في الحالين إلا بَلاغٌ ما أرسلت به ، وعلينا حسابهم في الآخرة . فنجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .