Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 10-14)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ) : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } إلى قوله { وَخَافَ وَعِيدِ } : والمعنى : أن الله ( عز وجل ) أعلمنا بجواب الرسل للأمم ، إذ شكت في توحيد الله سبحانه ، وأنها قالت للأمم : { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ } : أي ( أ ) في توحيد الله شك . وهو خلق السماوات والأرض ، يدعوكم إلى توحيده ، وطاعته ، ليغفر لكم من ذنوبكم ، إن أنتم آمنتم به ، واتبعتم أمره ، وقبلتم نهيه . فلا يعذبكم على ما ستر عليكم من ذنوبكم ، ويؤخر آجالكم ، فلا يعاقبكم في العاجل فيهلككم ، ولكن يؤخركم إلى الوقت الذي كتب ( عليكم ) في أم الكتاب . و " من " في قوله : { مِّن ذُنُوبِكُمْ } ، قال أبو عبيدة : هي زائدة ، والمعنى : يغفر لكم ذنوبكم . وقيل : ليست بزائدة . والمعنى : يغفر لكم / بعضها ، إذ لا يأتي أحد يوم القيامة إلا بذنب ، إلا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم ، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر في الدنيا . والمغفرة لغيره إنما تكون في الآخرة . فأما قوله في الصف : { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ الصف : 12 ] ، فإنما ذلك على الشرط الذي تقدم من الله لهم . فقالت الأمم لهم : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } : أي : ما أنتم أيها الرسل إلا بشر مثلنا في الصورة ، ولستم ملائكة تريدون بقولكم هذا أن تصرفونا : { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ [ آبَآؤُنَا ] } : من الأوثان ، { فَأْتُونَا } على قولكم : { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } : أي : بحجة ظاهرة . ثم قال ( تعالى ) : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } : أي : صدقتم في قولكم لنا : ما أنتم إلا بشر مثلنا . { وَلَـٰكِنَّ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } : فيهديه ، ويوفقه للحق ، ويرسله إلى من يشاء من خلقه . { وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ } : أي : بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه من توحيد الله ( عز وجل ) ، وطاعته ( جلت عظمته ) . { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } : أي بأمره ، { وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ / ٱلْمُؤْمِنُونَ } : أي : عليه فليتوكل من آمن به ، وأطاعه . فهذا كلام ظاهره الحظر والمنع ، ولا يحظر ( على فعل شيء لا يقدر ) عليه البتة ، ولا في الطاقة فعله ، ولكن معناه : وما كنا لنأتي بسلطان { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } : نفوا ذلك عن أنفسهم ، إذ ، لا قدرة لهم عليه . ولو حمل على ظاهره لكان معناه : إنهم يقدرون على الإتيان بالسلطان ، وهو الحجة . ولكن لا يفعلونه إلا بإذن الله ، وليس الأمر كذلك ( إذ ) لا مقدورة لهم على ذلك البتة ، فلا يتم المعنى حتى يحمل على النفي . ثم قال تعالى : قالت لهم الرسل : { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } : ( أي : شيء لنا في ترك التوكل على الله ) ، { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا } . أي : قد بصرنا طريق النجاة من عذابه . { وَلَنَصْبِرَنَّ } ، قسم من الرسل ، أقسموا ليصبرن على أذى الأمم إياهم في الله ، { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } . فقالت الأمم للرسل : { لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ } : أي : لنطردنكم من مدينتنا ، { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } : أي : إلا أن تدخلوا في ديننا . و " أو " عند بعض أهل اللغة بمعنى : " إلا " . وقيل : معنى " أو " : حتى تعودوا ودخلت اللام في " لتعودن " لأن في الكلام معنى الشرط ، كأنه جواب لليمين . والتقدير : لنخرجنكم من أرضنا ، أو لتعودن في ملتنا ، كما تقول : لأضربنك أو تُقِرَّ لي . { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } : أي : أوحى الله إلى الرسل . { رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } : وهو قسم من الله ، ( وهو ) كله وعيد وتهدد لقريش ( ومن يليهم من العرب ، وتنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم ، ليعلم ما لقيت الرسل مثله من الأمم ، فيهون عليه ما يلقى من قريش ) وغيرهم ممن امتنع أن يؤمن ( به ) . ثم قال تعالى للرسل : { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } : أي : لنسكنن من آمن بكم الأرض ، ومن بعد إهلاك الظالمين . فوعدهم تعالى بالنصر في الدنيا . ثم قال تعالى ذكره : { ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } : أي : ذلك النصر يكون لمن خاف مقامي بين يدي الله ( عز وجل ) في الآخرة : فاتقى الله ، وعمل بطاعته . والمصدر يضاف إلى الفاعل مرة ، وإلى المفعول به أخرى . فهو هنا مضاف إلى الفاعل . ثم قال : { وَخَافَ وَعِيدِ } : أي : خاف تهددي .