Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 15-17)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } إلى قوله { عَذَابٌ غَلِيظٌ } . والمعنى : واستفتحت الرسل على قومها لما كذبوهم : أي : استنصروا الله عليها لما وعدهم بالنصر على الأمم ، وأنه يسكنهم الأرض من بعد الأمم . هذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وقال ابن زيد : استفتحت الأمم بالدعاء ، كقول قريش : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . وقد أعلمنا الله أن قوم هود استفتحوا ، وقالوا لهود : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ ( مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ) } [ الأعراف : 70 ] . فالاستفتاح عنده مسألة العذاب . وقد روي أنه قيل لقريش حين استفتحوا / العذاب : إن لهذا أجراً يؤخر إلى يوم القيامة ، فقالوا : { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] : أي : عجل لنا نصيبنا من العذاب على ( طريق ) التكذيب به ، ( و ) على هذا أتى قوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [ العنكبوت : 53 ] الآية . وقوله : { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } : أي : أهلك كل متكبر عن الإيمان معاند . قال المفسرون : هو من امتنع أن يقول : لا إله إلا الله . وقال قتادة : العنيد : الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله " . وقيل : الجبار هو الذي لا يرى لأحد عليه حقاً . وقيل : هو أبو جهل لعنه الله وُنَظَراؤُهُ . ويقال : جبار بين الجبرية والجَبرِيَّة بكسر الجيم ، والباء ، والجَبْرَوُةُ والجَبْرُوَّة ، والجبروت ، والعنيد : المعاند للحق . ثم قال تعالى : { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } : أي : من وراء ذلك الجبار العنيد جهنم يردها : أي : من أمامه جهنم . كما يقال : إن الموت من ورائك ، أي : من أمامك . وأصل " وراء " : ما توارى عنك ، وهو يصلح لخلف ولقدام ، وليس هو من الاضداد . وقوله : { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } : الصديد : الدم ، والقيح يتجرعه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي : يتحساه ، ولا يكاد يزدرده من شدة كراهيته ، أي : لا يقدر يبلعه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال في قوله : { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } . قال يقرب إليه فيكرهه ، فإذا دنا منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه . فإذا شربه ، قطع أمعاءه ، حتى يخرج من دبره . يقول : ( الله تعالى ) : { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] ، وقال : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } [ الكهف : 29 ] . ثم قال تعالى : { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } : أي : يأتيه الموت عن يمينه ، وشماله ، وخلفه ، وقدامه . وقيل : معناه : من كل مكان في بدنه من شدة عذابه . { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } : أي : لا تخرج نفسه ، والمعنى : يأتيه ما يُمات منه من كل جانب ، وليس يموت . قال : ابن جريج : " تعلق نفسه عند حنجرته ، فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه ، فيجد لذلك راحة " . وقيل : المعنى { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } : أي " من تحت كل شعرة في جسده " . ثم قال : { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } : أي : من وراء ما هو فيه من العذاب ، - يعني - أمامه ( عذاب غليظ ) . قال الفضيل : هو حبس الأنفاس . وقال القرظي : محمد بن كعب : إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه ، مات موتات ، فإذا دنا منه مات موتات ، فإذا شرب منه مات موتاتٍ . فهو قوله : { ( وَيَأْتِيهِ ) ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } .