Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 21-22)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } - إلى قوله - { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . المعنى : وبرزوا من قبورهم ، ( أي ) ظهر هؤلاء الذين كفروا من قبورهم فصاروا بالبراز من الأرض جميعاً . { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } : أي قال التباع للمتبوعين المستكبرين في الدنيا عن عبادة الله عز وجل . { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } ، في الدنيا ، أي : نتبع أمركم لنا بمعصية الله ، عز وجل ، وترك اتباع الرسل . { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } : أي : دافعون عنا ( من العذاب ) شيئاً . قال المتبوعون ، وهم القادة للضعفاء ، وهم التابعون : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } : أي : لو أن لنا شيئاً ندفع به عذابه عنا اليوم ، لبيناه حتى تدفعوا به العذاب عن أنفسكم . { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } : أي : سواء علينا الجزع والصبر ، ما لنا من خلاص ، ومن ملجأ ، ومن مهرب ، ومن مَعْدِل ، و " سواء " مبتدأ ، وما بعده خبر . قال محمد بن كعب القُرظي : بلغني أن أهل النار ، يقول بعضهم لبعض : يا هؤلاء ! إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما ترون ، فهلم فلنصبر ، فلعل الله ينفعنا كما صبر أهل لدنيا على طاعة الله ( عز وجل ) ، فنفعهم الصبر . فأجمعوا رأيهم على الصبر ، فصبروا ، فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } / : ( أي ) من ملجأ . وقال ابن زيد : إن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم ، وتضرعهم لله تعالى . ( تعالوا ) نبكي ، ونتضرع إلى الله ، جل ذكره . فبكوا وتضرعوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم ، قالوا : تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ، تعالوا نصبر . فصبروا صبراً لم ير مثله ، فلم ينفعهم ذلك ، فعند ذلك قالوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } . وروى مالك ( رضي الله عنه ) ، عن زيد بن أسلم أنه قال : صبروا ( مائة ) عام ، ثم بكوا مائة عام . فقالوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } . وروى ابن كعب بن مالك ، عن أبيه ، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب : تعالوا نصبر ، فيصبرون خمسمائة عام ، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم ، قالوا : هلم فلنجزع ، فيجزعون ويضجون خمسمائة عام ، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } " . ثم قال تعالى : ( ذكره ) : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } . أي : قال إبليس لما دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، واستقر بكل فريق قراره . { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ } : أيها الأتباع النار ، { وَوَعَدتُّكُمْ } : النصرة . وقيل ، معنى : { وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } : أي : وعد من أطاعـ ( ـه ) الجنة ، ومن عصاه النار . ووعدتكم أنا خلاف ذلك { فَأَخْلَفْتُكُمْ } وعدي ، ووفى لكم الله بوعده . { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } : أي : ما كان لي عليكم فيما وعدتكم به من النصرة حجة ، تنبتُ لي عليكم بالصدق قولـ ( ـي ) . { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } : أي : دعوتكم إلى طاعتي ، ومعصية الله ، فأجبتموني . { فَلاَ تَلُومُونِي } " على إجابتكم إياي { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } عليها . { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي : بمغيثكم ، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } : أي : بمغيثي يقال : أصرخت الرجل إصراخاً : أغثته . { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } : أي : إني جحدت أن أكون شريكاً لله ، ( سبحانه ) فيما أشركتموني فيه من عباد ( تـ ) ـكم ( من قبل ) : في الدنيا . وقال قتادة : معناه : إني عصيت الله فيكم . وقيل : معنى ( من قبل ) : أي : بطاعتكم إياي في الدنيا ، وفيه بعد . { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } : أي ، إن الكافرين لهم اليوم عذاب موجع . قال محمد بن كعب القرظي : فلما سمعوا مقالة إبليس هذه في خطبة يقوم بها عليهم ، مقتوا أنفسهم ، فنودوا : { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } [ غافر : 10 ] . روي أن إبليس اللعين يقوم فيقول : أين أوليائي فيجتمعون إليه فيقول : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } . قال الحسن : إذا كان يوم القيامة يقوم إبليس خطيباً على منبر من نار فيقول : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ / وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } . وقال قتادة : رحمة الله عليه في قوله : { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } : معناه : إني " عصيت الله قبلكم . وقال سفيان الثوري ( نظر الله إلى وجهه ) : { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ ( أَشْرَكْتُمُونِ ) مِن قَبْلُ } يقول : كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا . وقال ابن عباس : { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } : أي بنافعكم ، وما أنتم بنافعي . وقال الربيع بن أنس ( رحمة الله عليه ) : ( ما ) أنا بمنجيكم وما أنتم بمنجي . وقال محمد بن كعب : إنما قال ذلك ، حين قال أهل الجنة : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا } . وروي ( عن ) : عقبة بن عامر الجهني ( رضي الله عنه ) : ، قال : سمعت رسول الله يقول : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ، وفرغ من ( القضاء ) : بين الناس ، قال المؤمنون : قد قضى بيننا ربنا . فمن يشفع لنا عند ربنا ، فيقول : انطلقوا بنا إلى من خلقه الله ، وكلمه آدم . فيأتونه ، فيقولون : اشفع لنا إلى ربنا ، فيقول : عليكم بنوح . فيأتون نوحاً ، فيدلهم على إبراهيم ، فيأتون إبراهيم ، فيدلهم على موسى ، فيأتون موسى ، فيدلهم على عيسى . فيأتون عيسى ، فيقول لهم : هل أدلكم على النبي الأمي . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وعليهم أجمعين ) : فيأتوني فيسألوني أن أشفع لهم إلى ربهم ، فيأذن الله لي بالقيام ، فيثور لمجلسي أطيب ريح ، شمها أحد ، حتى آتي ربي فأشفع فيشفعني ، ( جل وعز ) : فيقول الكفار عند ذلك : وقد وجد المؤمنون من يشفع لهم ، فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : ما هو إلا إبليس ، هو الذي أضلنا . فيأتون إبليس فيقولون له : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم إلى ربهم فاشفع لنا إلى ربنا فإنك ( أنت ) : أضللتنا فيقوم ، فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد قط : فيعظم لجهنم فيقول : إبليس عند ذلك : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } - إلى قوله - { أَلِيمٌ } ، وإنما ذكر الله هذا من أمر إبليس ، تحذيراً من أعدائه " .