Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 37-41)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي / زَرْعٍ } - إلى قوله - { يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ } . معنى الآية : إنه دعاء من إبراهيم صلى الله عليه وسلم بمكة ، وذلك حين أسكن اسماعيل ، وأمه هاجر مكة . قال ابن عباس : إن أول من سعى بين الصفا والمروة لأم اسماعيل ( وإن ) أول ما أحدث النساء جر الذيول ، لمن أم اسماعيل ، وذلك أنها لما فرت من سارة أرْخَتْ من ذيلها لتعفي أثرها ، فجاء بها إبراهيم ، ومعها إسماعيل حتى انتهى بها إلى موضع البيت ، فوضعها ، ثم رجع . فأتبعته ، فقالت : إلى ( أي ) شيء تكلنا ؟ ( إلى أي طعام تكلنا ) ، إلى أي شراب تكلنا ؟ . فجعل إبراهيم لا يرد عليها عيناً ، فقالت : ( آلله ) أمرك بهذا ؟ قال نعم . قالت : إذن لا يضيعنا . فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء . أقبل على الوادي ، فدعا ، فقال : { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } - الآية - قال : وكان مع هاجر شن ، فيه ماء . فنفد الماء فعطشت ، فانقطع اللبن . فعطش الصبي ، فنظرت أي : الجبال أدنى من الأرض ، فصعدت الصفا ، فتسمعت هل تسمع صوتاً أو ترى أنيساً . فلم تسمع شيئاً ، فانحدرت . فلما أتت إلى الوادي سعت وما تريد السعي ، كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي . فنظرت أي الجبال أدنى من الأرض ، فصعدت المروة ، فتسمعت هل تسمع صوتاً ، أو ترى أنيساً فسمعت صوتاً كالإنسان الذي يكذب سمعه حتى استيقنت ، فقالت : قد أسمعتني صوتك ، فأغثني ، فقد هلكت وهلك من معي . فجاء الملك بها ، حتى انتهى ( بها ) إلى زمزم . فضرب بقدمه ففارت ، فجعلت هاجر تفرغ من شنها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أم إسماعيل ! لولا أنها عجلت لكانت زمزم عيناً معيناً " وقال الملك لها : لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد ، فإنما ( هي ) عين لشرب ضيفان الله . وقال لها : إن أبا هذا الغلام سيجيء ، فيبنيان لله ( جل وعز ) بيتاً ، وذا موضعه ، ثم ذهب ، وبقيت هاجر ، فأتت رفقة من جرهم تريد الشام ، فرأوا الطير على الجبل ، فقالوا : إن هذا الطير لعائف على ماء ، فهل علمتم بهذا الوادي من ماء ؟ فقالوا : لا . ثم أشرفوا فإذا هم بهاجر وابنها ، فأتوها ، فطلبوا أن ينزلوا عندها ، فأذنت لهم ، فسكنوا عندها . ثم أتتها المنية فماتت ، رحمة الله عليها ، فتزوج اسماعيل امرأة من جُرْهم ، ثم كان من قصة إبراهيم في إتيانه إلى ( بناء ) البيت ما ذكر الله ( عز وجل ) . وقد تقدم منه ذكر ( كثير ) في البقرة . ومعنى : { بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } : أي : المحرم من استحلال حرمات الله ( تعالى ) فيه ، والاستخفاف بحقه . وقوله : { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ } : أي : اجعل قلوب بعض خلقك تنزع إليهم ، فلذلك قلوب الناس إلى الآن تنزع إلى الحج ، ولا تقدر على التخلف . وقد قال ابن جبير : لو قال : فاجعل أفئدة الناس / تهوي إليهم ، لحجت اليهود والنصارى ، والمجوس ، ولكنه قال : { أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ } فحج المسلمون . قال مجاهد ( رحمه الله ) : لو قال أفئدة الناس ، لازدحمت عليه فارس ، والروم ، ولكنه قال : من الناس . والأفئدة جمع فؤاد ، وهو القلب ، وسمي القلب فؤاداً لتفاؤده : أي : لتوقده ، والتفاؤد : التوقد ، والمقتاد : موضع وقود النار . قال عكرمة ، وطاووس ، وعطاء : قلوبهم تهوى إلى البيت حتى يأتونه : ( أي ) يحجون ، وهو قول ابن عباس . وعن ابن عباس أن معنى : { تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ } : أي : تهوى السكنى عندهم . وهذا المعنى إنما يكون على قراءة من قرأه بفتح الواو ، وهي قراءة مروية عن مجاهد . ولما دعا إبراهيم بأن يرزقهم من الثمرات نقل الله ( عز وجل ) ، الطائف من فلسطين إلى موضعها الآن ، ففيها من من كل الثمرات . روي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما دعا بهذا بعث الله جل ذكره ، جبريل عليه السلام ، فاقتلع الثمار من الشام من موضع يقال له الأردن ، وهو نهر ، ثم أقبل بالثمار حتى طاف بها حول البيت أسبوعاً ، ثم أنزلها جبال تهامة وهي الطائف . ولذلك سميت الطائف . { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } : أي : يشكرون نعمك . ثم حكى الله ( عز وجل ) ، عنه أنه قال : { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ } : أي : تعلم ما نخفي في قلوبنا عند مسألتنا إياك ما نسألك ، وفي غير ذلك من أحوالنا . { وَمَا نُعْلِنُ } من دعائنا ، فنجهر به . وغير ذلك من أحوالنا . { وَمَا يَخْفَىٰ } عليك يا رب ( من ) شيء في الأرض ، ولا في السماء . ثم قال جل ذكره { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي } - الآية - قال ابن جبير : بشر إبراهيم بإسحاق بعد تسع عشرة ومائة ( سنة ) . ( وقوله ) : { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ } : أي : مؤدياً ما ألزمتني من فرائضك ، { وَمِن ذُرِّيَتِي } : أي : واجعل أيضاً من ذريتي مقيم الصلاة . ثم قال تعالى : { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } : الدعاء هنا العبادة . والمعنى : " وتقبل عملي الذي أعمله لك ، وعبادتي إياك ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الدعاء هو العبادة " ثم قرأ : { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] . فالمعنى : اعبدوني أستجب لكم ، ودل على ذلك قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [ غافر : 60 ] . { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } : استغفر إبراهيم لأبيه من أجل { مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [ التوبة : 114 ] : أي : مات على كفره . وقيل : عنى بوالديه : آدم وحواء ( عليهما السلام ) . وقرأ يحيى بن يعمر ، والنخعي : { ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } يعني : إسماعيل ، وإسحاق . وقرأ ابن جبير : " ولوالدي " يعني أباه وجده .