Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 42-46)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً } - إلى قوله - { لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } : المعنى : ولا تحسبن الله يا محمد ساهياً عن عمل هؤلاء المشركين من قومك . بل هو عالم بهم ، يحصي عليهم جميع أعمالهم ، ليجازيهم عليها . وهذه الآية " وعيد للظالم / وتعزية للمظلوم " . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } : أي : إنما يؤخر عقابهم ليوم القيامة ، يوم تشخص فيه أبصار الظالمين . فلا ترتد إليهم . ثم قال تعالى : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } . قال قتادة : مهطعين : مسرعين . وقال ابن جبير ، عن قتادة : " مهطعين منطلقين ، عامدين إلى الداعي . وقال ابن عباس ( رحمه الله ) : مهطعين : مديمي النظر ، من غير أن تطرف أبصارهم . وقاله مجاهد . وقال ابن زيد : المهطع : الذي لا يرفع رأسه ، والإهطاع في كلام العرب : الإسراع . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة : الإقناع : رفع الرؤوس . وأصل الأهطاع : الإقبال على الشيء بالنظر ، ينظر دائماً ، لا يرفع بصره ، ولا يطرف . وهو بمعنى قول مجاهد ، والضحاك ، وهو قول الخليل : ودليله قوله : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } : أي : يديمون النظر ، لا يطرفون . قال الحسن : " وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء ، لا ينظر أحد - إلى أحد . والمقنع في اللغة : الرافع رأسه . حكى أبو العباس : أقنع إذا رفع رأسه ، وأقنع : إذا طأطأ رأسه ذلاً وخضوعاً . فتحتمل الآية القولين جميعاً . قال : ويجوز أن يرفع رأسه مديماً للنظر ، ثم يطأطأه ذُلاً وخضوعاً . ومن الارتفاع قيل : مقنعة للتي يجعلها النساء على رؤوسهن ، لارتفاعها على الرأس . ومنه قنع الرجل إذا رضي ، لأنه رفع نفسه على السؤال ، وقنع إذا سأل ، أي : أتى ما يتقنع منه . ثم قال تعالى : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } : والمعنى عند ابن عباس رضي الله عنه : " لا ترجع إليهم لشدة النظر أبصارهم " : أي : هي شاخصة . ومعنى : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } : أي : منحرفة ، لا تعي من الخير شيئاً ، قاله ابن عباس . كما تقول : ليس في البيت شيء ، إنما هو هواء . قال ابن عباس : وليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة . وقال ابن زيد : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } الأفئدة : القلوب ليس فيها عقل ، ولا منفعة . وقيل : معناه : لا تستقر في مكان ، فلا ترتد في أجوافهم . قال ابن جبير : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } : " تمور في أجوافهم ، ليس لها مكان تستقر فيه " . وقال الضحاك : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } معناه : " ليس فيها شيء ، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم " ، وقاله السدي . قال قتادة : " انتزعت حتى صارت في حناجرهم ، لا تخرج من أفواههم ، ولا تعود إلى أمكنتها . وأصل الهواء في اللغة : المجوف الخالـ ( ـي ) . ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } ، والمعنى : وأنذر الناس الذين أرسلت إليهم يا محمد { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } : وهو يوم القيامة . " فاليوم " : مفعول به ، بأنذر ولا يحسن أن يكون نصبه على الظرف ، لأن الإنذار لا يكون يوم القيامة ، إنما هو / في الدنيا فافهمه ، وله نظائر كثيرة في القرآن . ثم قال تعالى : { فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } . قال محمد بن كعب القرظي ، رحمه الله : بلغني أن ( أهل ) النار ينادون : { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } فرد عليهم : { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } - إلى قوله - { لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } . وقوله : { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } : هذا تقريع من الله ( عز وجل ) للمشركين من قريش . أعلمنا أنه يقال لهم بعد أن دخلوا النار بإنكارهم البعث في الدنيا ، إذ سألوا رفع العذاب ( عنهم ) ، وتأخيرهم لينيبوا ، أو يتوبوا . { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة ، وإنكم إنما تموتون ، ولا تبعثون . وهذا القسم الذي حكى الله ( عز وجل ) ، عنهم هنا هو ما حكى الله ( سبحانه ) عنهم أنهم ( أ ) قسموا في قوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] . قاله ابن جريج . ثم قال جل ذكره حكاية عما يقول للمشركين في الآخرة : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } : أي : سكنتم في الدنيا في مساكن الأمم ، الذين أهلكوا بظلمهم لأنفسهم ، فلم تعتبروا بهم ، ولا اتعظتم . ومعنى { ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } : أي : " كفروا بالله ( سبحانه ) ، فظلموا بذلك أنفسهم . { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } : أي : أعلمتم كيف أهلكناهم حين كفروا بربهم . { وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } : أي : مثلنا لكم ما كنتم عليه من الشرك ، فلم تتوبوا من كفركم ، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم العذاب . قال قتادة : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } : أي ، اسكن الناس في مساكن قوم نوح ، وعاد ، وثمود . ثم قال تعالى : { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } . قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : أخذ الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين فرباهما ، حتى استعجلا واستغلظا وشبا . ثم أوثق رجل كل واحد منهما في وتد إلى تابوت ، وجوعهما ، وقعد هو ورجل آخر في التابوت . ورفع من التابوت عصاً على رأسها لحم ، فطارا بالتابوت ، وجعل يقول لصاحبه : انظر ماذا ترى ؟ فيقول : أرى كذا ، وكذا ، حتى قال : أرى الدنيا كأنها ذباب . فقال له : صوب العصا ، فصوبها فهبطا : فهو مكرهم الذي أرادت الجبال أن تزول منه . وروي أن الذي فعل ذلك بالنسور بختنصر . فلما ارتفعت به النسور نودي : أيها الطاغية أين تريد ؟ ففزع ، وصوب الرمح الذي فيه اللحم ، فصوبت النسور : فكادت الجبال أن تزول لذلك . وقال ابن جبير : هو نمرود . وقيل : مكرهم هنا ، هو شركهم بالله سبحانه ، وافتراؤهم عليه . روي ذلك أيضاً عن ابن عباس . / وقال الضحاك هو كقوله { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [ مريم 88 - 89 ] - الآية - . ومن كسر اللام في " لتزول منه " جعل إن بمعنى : ما . أي : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال . واللام لام النفي . وهذا مروي عن الحسن ( رحمه الله ) ومثله عنده : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [ يونس : 94 ] : أي : فما كنت في شك . ومثله : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [ الزخرف : 81 ] : أي : ما كان . ( فيكون معنى القراءة عندهم أضعف ) ، وأوهن من أن تزول منه الجبال ، ويدل على صحة قوله إن كيد الشيطان كان ضعيفاً . ومن فتح اللام جعلها لام تأكيد ، ومعناه : إنه عظم مكرهم وكبرهم . فأخبر أن الجبال كادت تزول لمكرهم ، ودليل تعظيم مكرهم أن الله قد قال : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } [ نوح : 22 ] ، وقال : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 90 - 91 ] : فأخبر أن ما يأتون به من الكفر تكاد السماوات يتفطرن منه : ( أي ) : تنشق ، وتكاد الجبال تسقط إعظاماً لقولهم . وقيل : إن المراد بهذه الآية قريش ، نفى الله عز وجل ، أن تزول لمكرهم الجبال ، والجبال كناية عن القرآن ، والتقدير : وما كان مكر قريش وكفرهم ليزول منه القرآن إذا أنكروه ، وكفروا به . بل فعلهم ذلك لا يضر القرآن ، ولا يزيله من قلوب المؤمنين حتى يبلغ جميع الأمم الكائنة إلى يوم القيامة . فيجاز ( ى ) المؤمن به على إيمانه ، والكافر به على كفره .