Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 106-107)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } إلى قوله : { ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } . هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر [ ووالده ياسر ] وأمه سمية وخباب بن الأرت ، وسلمة بن هشام ، والوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة والمقداد بن الأسود وقوم أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم فثبت على الإسلام بعضهم وافتتن بعضهم . فمن ابتداء { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ } ابتداء [ أيضاً ] ، وخبرهما { فَعَلَيْهِمْ } . وقيل : { مَن كَفَرَ } في موضع [ رفع ] على / البدل من " الكاذبين " . وفيه بعد . وقال ابن عباس وقتادة : نزلت في عمار بن ياسر ، قال قتادة : أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون ، وقالوا : أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فتابعهم على ذلك وقلبه كاره موقن بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده ، فأنزل الله [ عز وجل ] { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } . وقوله : { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } . أي : من كفر على اختيار منه واستحباب { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ } ، قال عكرمة نزلت الآية في قوم أسلموا بمكة ولم يمكنهم الخروج ، فلما كان يوم بدر أخرجهم المشركون فقتلوا وفيهم نزلت { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 98 ] الآيتين . [ وقيل إنهم كانوا بمكة لا يقدرون على الخروج فلما نزلت : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 98 ] الآيتين ] ، كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى إخوانهم الذين بمكة يخبرونهم بما نزل فيهم فلما وصل إليهم الكتاب ، خرج ناس كانوا أقروا بالإسلام فطلبهم المشركون فأدركوهم فرجعوا وأعطوهم الفتنة ، قولاً دون اعتقاد . فأنزل الله [ عز وجل ] فيهم : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } [ العنكبوت : 10 ] ، وأنزل فيهم { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } ، وأنزل فيهم : { إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } [ النحل : 110 ] الآية فسمع ذلك رجل من بني بكر كان مريضاً ، فقال لأهله : أخرجوني إلى الروح ، يعني المدينة . فأخرجوه فمات قبل الليل ، فأنزل الله [ عز وجل ] : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } [ النساء : 100 ] الآية . قال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، وأبو بكر الصديق وبلال وخباب وصهيب ، وعمار ، وسمية أم عمار . فأما رسول الله عليه السلام فمنعه أبو طالب ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس ، فلما كان من العشاء أتاهم أبو جهل ومعه حربة ، فجعل يسبهم ويوبخهم ، ثم أتى سمية فطعن بالحربة في فرجها ، فقتلها . فهي أول شهيد استشهد في الإسلام . قال : وقال الآخرون ما سألوهم ، إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه ، فجعلوا يعذبونه وهو يقول : أحد أحد ، حتى ملوه ، ثم كتفوه ، وجعلوا في عنقه حبلاً من ليف ، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة ، حتى ملوه فتركوه . فقال عمار : كلنا قد تكلم بالذي قالوا له ، فلولا أن الله تداركنا - غير بلال - فإنه هانت عليه نفسه في الله [ عز وجل ] فهان على قومه حتى تركوه ، وملوه ، فنزلت هذه الآية في هؤلاء . قال ابن عباس : والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويخنقونه ويعطشونه ويجوعونه / حتى [ ما ] يقدر أن يستوي جالساً من شدة الضر الذي به حتى أنه ليعطيهم ما سألوا من الفتنة التي رمي بها ، وحتى يقولوا له : اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم . وحتى أن الجُعل ليمر بهم فيقولون : هذا الجُعل إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم ، افتداء منهم لما يبلغون من جهده فنزلت فيهم : { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } الآية . و [ قيل ] معنى { مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } ، أي : قبله وانفسح له صدره . ثم قال : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ } أي : وجب العذاب لهم لاختيارهم زينة الحياة الدنيا على الآخرة { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } أي : لا يوفقهم بجحودهم آيات الله وتوحيده ، وعبادتهم غيره .