Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 108-112)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } إلى قوله : { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } . معناه : أولئك الذين تقدمت صفتهم ، هم الذين طبع الله على قلوبهم ، أي : ختم عليها بطابعه فلا يؤمنون ولا يهتدون ، وأصم أسماعهم ، فلا يسمعون داعي الله [ عز وجل ] سماع قبول ، وأعمى أبصارهم ، فلا يبصرون بصر مهتد معتبر . { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } أي : هم الساهون عما أعد الله [ عز وجل ] لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم . ثم قال : { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } . قال الطبري : لا جرم معناه لا بد أنهم في الآخرة هم الهالكون الذين غبنوا أنفسهم حظوظها . ثم قال تعالى : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } . أي : هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم ، أي من بعدما عذبوا على الإسلام بمكة ثم جاهدوا المشركين في الله [ عز وجل ] مع نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] وصبروا في الجهاد ، وعلى طاعة الله [ عز وجل ] إن ربك من بعد ذلك أي : من بعد الفعلة التي فعلوها { لَغَفُورٌ } أي لساتر على ذنوبهم { رَّحِيمٌ } بهم . وقد تقدم الكلام فيمن نزلت هذه الآيات . ومن قرأ { فُتِنُواْ } بالفتح ، وهي قراءة ابن عامر ، فمعناه : عذبوا غيرهم على الإيمان ثم آمنوا هم من بعدما فعلوا ذلك بالمؤمنين ، إن ربك من بعد الفعلة التي فعلوها ساتر لذنوبهم ، رحيم بهم . قال ابن عباس وقتادة : نزلت في قوم خرجوا إلى المدينة فأدركهم المشركون ففتنوهم فكفروا مكرهين . وقال الحسن وعكرمة : نزلت في شأن ابن أبي سرح : فتنه المشركون فكفر ، فنزلت : { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } [ النحل : 106 ] . [ الآية ، ثم استثنى إلا من أكره ] ثم نسخ واستثنى بقوله : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ } الآية ، وهو عبد الله بن أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فلحق بالمشركين ، وأمر به النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يوم فتح مكة ، بأن يقتل فاستجار له عمر فأجاره رسول الله / صلى الله عليه وسلم . ثم قال : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } . يوم منصوب برحيم . وقيل انتصب على إضمار : [ و ] اذكر { يَوْمَ تَأْتِي [ كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ] } . ومعنى الآية : أن الله أعلمنا أن كل إنسان [ منهم ] يوم القيامة منشغل بنفسه ، بطلب خلاصها . وروي أن كعباً قال لعمر [ رضي الله عنه ] : تزفر جهنم يوم القيامة زفرة ، فلا يبقى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، إلا جثا على ركبتيه ، يقول : يا رب نفسي ، حتى أن إبراهيم ، خليل الرحمن ، ليجثو على ركبتيه . ويقول : لا أسألك إلا نفسي ، ثم قال كعب : إن هذا لفي كتاب الله ، ثم تلى : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } الآية . وقوله : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً } . أي : ضرب الله مثلاً ، مثل قرية ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقوله : { آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً } خبر بعد خبر . و { رَغَداً } مصدر في موضع الحال . والمعنى : [ و ] مثل الله مثلاً لمكة التي سكنها أهل شرك . والقرية مكة ، في قول : ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد . وعن حفصة أم المؤمنين [ رضي الله عنها ] : هي المدينة ، والأول أشهر . قال ابن شهاب : الغاسق إذا وقب : الشمس إذا غربت . والقرية التي أرسل إليهم اثنتان انطاكية ، والقرية التي بحاضرة البحر ، طبرية . والقرية التي كانت آمنة مطمئنة هي يثرب . وقوله : { كَانَتْ آمِنَةً } أي : لا يخاف فيها أحد ، لأن العرب كانت يسبي بعضها بعضاً ، وأهل مكة لا يغار عليهم ولا يحاربوا في بلدهم . ومعنى { مُّطْمَئِنَّةً } : قارة بأهلها لا ينتجع أهلها من البلدان كما ينتجع أهل البوادي . { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً } أي : يأتي أهلها معائشهم واسعة كثيرة { مِّن كُلِّ مَكَانٍ } من البلدان . ومعنى : { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } أي : كفر أهلها بأنعم الله . وواحد الأنعم على مذهب سيبويه نعمة . وقال قطرب : واحدها نَعْم [ مثل ] وُدّ وأَوُدّ ، وقال بعض الكوفيين : وأحدها نَعْماء [ كبأ ] ساء وأبْؤُس وضراء و [ أ ] ضر . { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ } . أي : أذاق أهلها { لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } أي : أذاقهم جوعاً خالط أجسامهم فجعل ذلك لمخالطته لأجسادهم بمنزلة اللباس لها ، وذلك أنه سلط عليهم الجوع سبع سنين متواليات حتى أكلوا العِلْهزَ . والعِلْهِزُ أن تُؤْخذ الحَلَمَة فَتُفْقأ على الوبر حتى يبتل بدمها ، ثم يغلى ويؤكل . ويروى : أنهم أكلوا لحوم الكلاب . وأصل الذوق بالفم ولكنه استُعمِلَ هنا للابتلاء والاختبار . وقوله : { وَٱلْخَوْفِ } . [ هو ] ما كان يلحقهم من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه كانت تطيف بهم . وقوله : { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } . أي : بكفرهم وجحدهم للنعم . وإنما قال : { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } ولم يقل : بما كانت تصنع لأنه رده على المعنى . لأن معنى ذكر / القرية في الآية : يراد به أهلها . فرجع " يصنعون " على المعنى : [ و ] مثله قوله { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] . فرجع ، آخر الكلام إلى الأهل ، وقد جرى أوله على الأخبار عن القرية والمراد بها أهلها . وهذا هو قوله في السجدة : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } [ السجدة : 21 ] فالعذاب الأدنى [ هو الجوع ] والأكبر ما حل بهم يوم بدر من القتل والأسر . وهو أيضاً قوله : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } [ الدخان : 10 ] وهو الجوع ، كان الرجل يرى بينه وبين السماء دخاناً من شدة الجوع .