Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 113-122)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ } إلى قوله : { لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : ولقد جاء أهل هذه القرية ، يعني مكة ، { رَسُولٌ مِّنْهُمْ } أي : من أنفسهم يعرفونه ويعرفون نسبه وصدق لهجته فدعاهم إلى الحق { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } وهو : لباس الجوع والخوف ، وقتلهم يوم بدر بالسيف { وَهُمْ ظَالِمُونَ } أي : مشركون . ثم قال [ تعالى ] : { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } . أي : فكلوا من الأنعام التي رزقكم الله حلالاً ، أي : مذكاة على اسم الله ولا تَحرِّموها كما حَرَّمَتِ العرب الوصائل والسوائب والحامي وغير ذلك { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } أي : واشكروه على ما خلق لكم من ذلك ، وما أحل لكم من أكله على غيره من النعم { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي : تطيعون . وقيل : إنما عني بقوله : { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } الآية : المشركين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقته رقة في أيام القحط فوجه إليهم طعاماً يرتفقون به ، فأمرهم الله بأكله وبالشكر عليه إن كانوا يعبدون الله . والقول الأول : [ أولى ] لأن بعده : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ } وهذا إنما هو مخاطبة للمؤمنين بلا اختلاف . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ } . أي : إنما حرم عليكم ما مات من النعم حتف أنفه ، والدم السائل وهو المسفوح ، ولحم الخنزير { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي : ما ذبح للأنصاب وسمي عليه غير الله ، فمن اضطر إلى شيء من ذلك في مخمصة وهي : المجاعة . حل له . وقوله : { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } . أي : باغ في أكله ، { وَلاَ عَادٍ } أي : لا يتعدى حلالاً إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة . { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ [ رَّحِيمٌ ] } أي : ساتر عليه ذنبه فلا يؤاخذه رحيم به أن يعاقبه على ذلك ، وقد تقدم تفسير { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } في البقرة بأبين من هذا . ثم قال [ تعالى ] : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } . قرأ الحسن والأعرج وطلحة وأبو معمر : " الكَذِبِ " بالخفض على أنه نعت لما ، أو بدل منه . ومن نصب جعله مفعولاً بتصف . وقرأ بعض أهل الشام : " الكُذُبُ " بضم الكاف والذال والباء ، نعت للألسنة ، جمع كذوب ، مثل : شكور ، وشكر . ومعنى الآية : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيما رزق الله عباده من المطاعم ، هذا حلال وهذا حرام لكي تفتروا على الله الكذب فإنه لم يحرم من ذلك كثيراً مما تحرمون ولا أحل كثيراً مما تحلون . وذلك أن اليهود والمشركين أحلوا الميتة فقال المشركون : { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ } [ الأنعام : 139 ] يأكله الرجال والنساء . ثم قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } . أي : يتخرصونه ويختلقونه { لاَ يُفْلِحُونَ } أي : لا يخلدون في الدنيا ولا يبقون فيها . { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } أي : الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل . ثم قال : { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } . أي : وحرمنا يا محمد على اليهود ما قد أنبأناك به في سورة الأنعام . وهي : كل ذي ظفر والشحوم . قاله : عكرمة والحسن وقتادة . وقوله : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } . [ أي : وما ظلمناهم ] بتحريمنا ذلك [ عليهم ] { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . ثم قال تعالى : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } ، أي : للذين عصوا الله [ سبحانه ] فجهلوا ثم راجعوا طاعة الله [ عز وجل ] والندم على ما عملوا والاستغفار منه { وَأَصْلَحُوۤاْ } أي : عملوا ما يجب عليهم . { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } أي : من بعد ذنوبهم لهم " غفور رحيم " . ثم قال : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ } . أي : [ كان ] معلم [ خير ] يأتم به أهل الهدى . قال مجاهد كان أمة على حدة . وروي عنه أنه قال : كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار . قال ابن مسعود : " الأمة " معلم الخير . ورواه مالك عن ابن مسعود أنـ [ ـه ] قال : " الأمة " الذي يعلم الناس الخير ، " والقانت " المطيع لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، " والحنيف " المخلص . قال مالك : وذكر عبد الله بن مسعود معاذ بن جبل فقال : يرحم [ الله ] معاذاً لقد كان أمة قانتاً لله [ عز وجل ] حنيفاً . وأصل القنوت الطاعة . فكان إبراهيم عليه السلام قائماً لله عز وجل بحقه صغيراً وكبيراً . نصح له فكسر الأصنام ، وباين قومه بالعداوة ، وأخلص لله [ عز وجل ] ودعا إلى عبادته ، ولم تأخذه في الله لومة لائم ، فأعطاه الله عز وجل ألا يبعث نبياً من بعده إلا من ذريته . وأعطاه الله عز وجل ألا يسافر في جميع الأرض فتخطر سارة على قلبه إلا هتك الله ما بينه وبينها من الحجب حتى يراها ما تصنع . وكان صلى الله عليه وسلم أول من اختتن ، وأقام مناسك الحج ، وضحى ، وعمل بالسنن ، نحو : قص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العنة وشبهه . و " الحنيف " : الحاج في قول الضحاك ، وعن ابن عباس : " الحنيف " المسلم . ويدل عليه قوله : { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ النحل : 123 ] وقيل حنيفاً على دين الإسلام . { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } أي : مخلصاً بشكر الله [ عز وجل ] فيما أنعم عليه " واجتباه [ واختاره ] واصطفاه لخلته { وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي : ارشده إلى الطريق المستقيم وذلك دين الإسلام . ثم قال تعالى : { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } . أي : ذكر [ اً ] جميلاً حسناً باقياً على الأيام { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : أنه في الآخرة لمن صلح أمره وشأنه عند الله [ عز وجل ] وحسنت منزلته . وقيل : معناه ، وأنه في ثواب الآخرة / لمن الصالحين لأن الآخرة ليست بدار عمل إنما هي دار جزاء . فالمعنى : أنه وإن أعطي أجره في الدنيا ، فإنه في الآخرة على مثل ثواب الصالحين ، لا ينقصه من ثوابه شيء لأجل إيتائه أجره في الدنيا . وقيل في الآية : تقديم وتأخير ، والتقدير : وآتيناه أجره في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين . [ و ] في هذا القول : بعد ، لأن ما بعد [ إن ] لا يقوى بها التقديم وما بعد : " إن " منتظر [ لما ] لم يكن ، وما قبلها قد كان ووقع فلا يدخل أحدهما في الآخر . وقيل المعنى : وأنه في أجر الآخرة والعمل لها لمن الصالحين . وهذا : قول صالح حسن . قال مجاهد : الحسنة هنا لسان صدق . وقال قتادة : الحسنة أنه ليس أهل دين ألا يتولاه ويرضاه .