Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 41-44)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ } إلى قوله { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . المعنى : والذين فارقوا دورهم وأوطانهم عداوة للمشركين في الله [ عز وجل ] من بعد ما ظلمهم المشركون وأوذوا في ذات الله [ سبحانه ] . { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } . أي : لنسكنهم في الدنيا مسكناً صالحاً يرضونه . وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم ، حتى لحق طوائف منهم بالحبشة ثم بوأهم الله [ عز وجل ] المدينة بعد ذلك ، فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين ، قال ذلك قتادة وابن عباس . وقال الضحاك : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } هو النصر والفتح . { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } الجنة . فالآية : فيمن هاجر من المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة . ليست الهجرة في هذا الموضع : الهجرة إلى المدينة ، لأن هذا أنزل بمكة إلى أرض الحبشة . قال الشعبي : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا [ حَسَنَةً ] } المدينة ، وقال ابن [ أبي ] نجيح : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } أي : لنرزقهم في الدنيا رزقاً حسناً . وكان عمر رضي الله عنه إذا أعطى لرجل من المهاجرين عطاء يقول : بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله [ عز وجل ] في الدنيا ، وما أخّر لك في الآخرة أفضل ثم يتلوه هذه الآية : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ } . وقال الضحاك : الحسنة : النصر والفتح . وقال مجاهد : الحسنة : هنا لسان صدق . ومعنى بوأت فلاناً منزلاً : أحللته فيه . ومنه قوله : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } [ يونس : 93 ] . وقيل : إن هذه الآية نزلت في أبي جندل بن سهيل . ثم قال تعالى : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } . أي : ولثواب الآخرة على الهجرة ، أكبر من ثواب الدنيا . وقيل : الحسنة هنا ، كونهم مؤمنين وسماعهم ثناء الله [ عز وجل ] عليهم . وقيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين عذبهم المشركون على إيمانهم وأخذوا أموالهم ، منهم : صهيب وبلال . وذلك أن صهيباً قال للمشركين : أنا رجل / كبير إن كنت معكم لم أنفعكم ، وإن كنت عليكم لم أضرَّ بكم . فخذوا مالي ودعوني . فأعطاهم ماله وهاجر إلى النبي عليه السلام . فقال له أبو بكر : ربح البيع يا صهيب . وقال عمر [ رضي الله عنه ] : نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه . أي : لو أمن عذاب الله [ سبحانه ] لما ترك الطاعة ولا جنح إلى المعصية . ثم بيَّن الله هؤلاء القوم فقال : { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } في الله على ما نالهم في الدنيا من الكفار . { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي : به يثقون في أمورهم . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } . وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الأمم بالدعاء إلى توحيد الله وقبول أمر الله [ سبحانه ] إلا رجالاً من بني آدم وليسوا بملائكة ، ولم يرسل إلى قومك إلا مثل من أرسل إلى من كان قبلكم من الأمم . ثم قال تعالى : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } . أي : فاسألوا يا قريش أهل الذكر : يعني الذين قرؤوا التوراة والإنجيل . قال الأعمش : هم من آمن من أهل التوراة والإنجيل . أي فاسألوهم فيخبرونكم أن الرسل التي تقدمت إلى الأمم أنهم كانوا رجالاً من بني آدم . وقال ابن عباس : فاسألوهم هل ذكر محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في التوراة والإنجيل . يعني : سألوا من آمن من قبلهم عن ذلك . وقال ابن زيد : أهل الذكر أهل القرآن . يعني : من آمن بمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وبما جاء به . وقال أبو إسحاق : معناه : فاسألوا كل من يذكر بعلم ، وافق هذه الملة أو خالفها . قال ابن عباس : لما بعث الله محمداً عليه السلام رسولاً ، أنكرت العرب ذلك . وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً . فأنزل الله [ عز وجل ] { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } [ يونس : 2 ] الآية ، وأنزل : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } . ثم قال [ تعالى ] { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ } . أي : بالدلالة الواضحة ، والزبر الكتب . جمع زبور . مأخوذ من زبرت الكتاب إذا كتبته . الباء من { بِٱلْبَيِّنَاتِ } متعلقة بفعل مضمر . التقدير : أرسلناهم بالبينات ودل " أرسلنا " الأول على هذا المحذوف . وقال قوم : الباء متعلقة بأرسلنا المذكور . وأجازوا تقدم الإيجاب على أن تكون " إلا " بمعنى : " غير " . فأجازوا : ما ضرب إلا أخوك عمراً ، وما كلم إلا أبوك بكراً ، على معنى : " غير " ، وعلى ذلك أنشدوا : @ ابني لُبَيْنَى لَسْتُم بيد إلا يد ليست لها عضد @@ أنشدوه بخفض يد بعد " إلا " على معنى " غير يد " . ولا يحسن أن تكون " إلا " هنا بغير معنى : " غير " لأنه يفسد الكلام ، إذ الذي خفض اليد قبل " إلا " لا يمكن إعادته بعد " إلا " ، ومنه قول الله [ عز وجل ] : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ [ لَفَسَدَتَا ] } [ الأنبياء : 22 ] أي : غير الله . ومن لا يجيز هذا ، ينشد البيت بالنصب " إلا يدا " على البدل من موضع بيد . ويجوز عندهم : ما ضرب إلا أخوك عمراً على كلامين كأنه قال ضرب عمر [ و ] . ثم قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } [ أي القرآن ] { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ } أي لتعرفهم : { مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } ، من ذلك يعني . من الفرائض / والأحكام والحدود { [ وَ ] لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي : يطيعون ، قاله مجاهد . وقيل معنى ذلك : لعلهم يعتبرون [ مـ ] ـا أنزلناه .