Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 45-50)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } إلى قوله : { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } . والمعنى أفأمن الذين ظلموا المؤمنين من أصحاب النبي عليه السلام ، وقالوا في القرآن : هو أساطير الأولين { أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ } كما فعل بقوم لوط ، أو يأتيهم العذاب من حيث يأمنوا كما أتى نمرود بن كنعان وقومه . { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ } . أي أو يهلكهم في تصرفهم في البلاد في أسفارهم ، قاله : ابن عباس وقتادة . وقال ابن جريج : { فِي تَقَلُّبِهِمْ } بالليل والنهار . { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } . أي : أو يهلكهم الله بتخوف . وذلك نقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم . وقال الزجاج معناه : أو يأخدهم بعد أن يخوفهم بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها . وقال الضحاك : معناه أو أخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها . وقال ابن عباس ومجاهد { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } على تنقص . أي ينقص من أموالهم وزروعهم حتى يهلكهم . وروى مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية فقال : ما التخوف ؟ فأقام بذلك أياماً ، فأتاه غلام من أعراب قيس فقال : يا أمير المؤمنين أراني يتخوفني مالي . فقال له عمر : كيف يتخوفك مالك ؟ فقال ينتقصني مالي . فقال عمر { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } على تنقص . وقيل معنى : { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } أي : يأخذهم بالهلاك فيخوف بهم غيرهم ليتعظوا ، وهو قول الضحاك . وقال الليث : { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } على عجل . ويروى عن عمر [ رضي الله عنه ] أنه [ قال ] ما كنت أدري ما معنى { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } حتى سمعت قول الشاعر : @ تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكاً قَرِداً كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفِنُ @@ يصف ناقته أن السير نقص سنامها بعد تمكنه . ثم قال تعالى : { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } . أي : رؤوف أن آخر هؤلاء الذين مكروا السيئات فلم يعجل لهم بالعقوبة ، رحيم بعباده ، إذ لم يعجل عقوبتهم ، وجعل لهم فسحة في التوبة . ثم قال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } الآية : أي : أولم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من جسم قائم شجراً أو جبالاً أو غير ذلك { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ } أي : يرجع من موضع إلى موضع [ و ] يكون في أول النهار على حال ، ثم يعود إلى حال آخر في آخر النهار . قال قتادة : أما اليمين فأول النهار ، والشمال : آخر النهار . وقال ابن جريج : اليمين والشمال الغدو والآصال ، فإذا فاءت الظلال سجدت لله بالغدو والآصال . قال الضحاك : سجد ظل المؤمن طوعاً . وقال الضحاك إذا فاء الفيء توجه كل شيء ساجداً قبل القبلة من نبت أو شجر ، قال مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله [ عز وجل ] . وعن مجاهد : أن السجود في / هذا الموضع سجود الظلال دون التي لها الظلال . وعن ابن عباس أنه قال : الكافر يسجد لغير الله [ سبحانه ] وظله يسجد لله [ عز وجل ] . أي ينقاد دليلاً على ما دبره الله [ عز وجل ] عليه . فتحقيق المعنى في هذه الآية : أن ظلال الأشياء هي التي تسجد ، وسجودها : ميلانها ودورانها من جانب إلى جانب . يقال سجدت النخلة إذا مالت . وسجد البعير ، وأسجد ، إذا طؤطئ ليركب . ومن هذا قيل لمن وضع جبهته في الأرض ساجد ، لأنه تطامن . وقد يستعار السجود في موضع الاستسلام والطاعة والذل ، كما يستعار التطامن والتطأطأ فيوضعان موضع الخضوع والانقياد فيقال : تطامن للحق وتطأطأ أي : انقاد وخضع . فأما قوله : { عَنِ ٱلْيَمِينِ } فوحّد { وَٱلْشَّمَآئِلِ } فجمع : فإن " اليمين " وإن كان موحداً ، فإنه في موضع جمع ومعناه . وقيل : إنه رد " اليمين " على لفظ " ما " ورد " الشمائل " على المعنى ، كما قال : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [ يونس : 42 ] فرد على المعنى ، ثم قال { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ [ إِلَيْكَ ] } [ يونس : 43 ] فرده على اللفظ . وهذا كثير . وقال الزجاج : معنى " ظله " ها هنا جسمه الذي يكون له الظل . فالمعنى : أن جسمه ولحمه وعظامه منقادات لله [ عز وجل ] دالة عليه ، عليها الخضوع والذل . ثم قال تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } . المعنى : ولله يسجد ما في السماوات من الملائكة وما في الأرض من دابة ومن الملائكة . إلا أنه حمل " والملائكة " من الاعراب على " ما " لأنها ساجدة . ومعناها تخضع وتذل وتستسلم لأمر الله { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } أي لا يستكبرون عن التذلل [ لله عز وجل ] . ودخلت " من " لأن معنى " دابة " الجمع ، أي : من الدواب . وقيل دخلت لما في " ما " من الإبهام فأشبهت الشرط . والشرط تدخل " من " فيه تقول : من ضربك من رجل فاضربه . ثم قال تعالى : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ } . أي يخاف هؤلاء الملائكة التي في السماوات والأرض والدواب ربهم أن يعذبهم إن عصوا أمره . { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي : يطيعونه فيما أمرهم به . قال أبو إسحاق : معناه يخافون ربهم خوف مطيعين مجلين له ، لا يجاوزون أمره .