Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 56-61)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ [ نَصِيباً ] } إلى قوله { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } . المعنى : ويجعل هؤلاء المشركون لما لا يعلمون ، أنه لا يضرهم ولا ينفعهم نصيباً مما رزقهم الله ، يعني : لأوثانهم . قال قتادة : هم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم نصيباً وجزءاً مما رزقهم الله من أموالهم . وقيل : يعلمون الآلهة التي كانوا يعبدونها ، وهي " ما " فيعلمون ردها على معنى " ما " . / وأتى بالواو والنون لأنهم كانوا قد أجروها مجرى من يعقل في جعلهم لها نصيباً من [ مـ [ ـزروعهم . فمفعول " يعلم " محذوف . تقديره : ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعلم شيئاً نصيباً . وعلى القول الأول " يعلمون " للكفار . وفيه ضميرهم ، أي : هؤلاء الكفار يجعلون نصيباً للأصنام التي يعلم الكفار أنها لا تنفع ولا تضر . ومثله في الأخبار عن الأصنام بالواو والنون قوله : { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 198 ] فالنظر للأصنام . وقيل للكفار وقد تقدم شرحه . وقال ابن زيد : جعلوا لآلهتهم نصيباً من الحرث والأنعام يسمون عليها [ أ ] سماءها ويذبحون عليها . وهو قوله تعالى في الأنعام عنهم : { هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] . ثم قال تعالى : { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } . أي : والله يا أيها المشركون لتسئلن يوم القيامة عما كنتم تختلقون في الدنيا علي من الكذب فتعاقبون على ذلك . قال الزجاج : معناه لتسئلن سؤال توبيخ حتى تعترفوا به على أنفسكم وتلزموها الحجة . ثم قال تعالى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ } أي : ومن جهل هؤلاء المشركين ، وافترائهم على ربهم [ سبحانه ] أنهم يجعلون له البنات ولا ينبغي أن يكون له ولد لا ذكر ولا أنثى { سُبْحَانَهُ } أي تنزيهاً له عما يقولون . ثم قال [ تعالى ] : { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } . أي : أضافوا إليه ما يكرهون ، فما كفاهم ما أضافوه إليه من الولد حتى جعلوا له ما لا يرضونه لأنفسهم وما يقتلونه إذا أتاهم ، فأضافوا إليه ما يكرهون لأنفسهم وهن البنات ، وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون وهم البنون . ثم قال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } . أي : وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين بولادة ما قد أضافه إلى الله [ سبحانه ] ظل وجهه مسوداً كراهية لذلك { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي : قد كظمه الحزن وامتلأ غماً بولادتها وهو لا يظهر ذلك . والكظيم الذي يخفي غيظه ولا يشكو ما به ، وهو فعيل بمعنى فاعل ، كعليم . قيل الذي حسب في نفسه وعظمه هو ما فسره بعد ذلك من قوله : { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } فهذا عظم في نفسه . وقيل معنى : { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } أي : ظل كئيباً مغموماً بذلك . والعرب تقول لكل مغموم قد تغير لونه من الغم ، واسودّ وجهه : كظيم . وقال قتادة أخبرهم الله [ عز وجل ] بخبيث أعمالهم ، فأما المؤمنون فراضون بما قسم الله [ عز وجل ] لهم . قال ابن عباس : الكظيم الحزين . وقال الضحاك : هو الكمد . ثم قال تعالى : { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } . أي : يستتر هذا المبشر / بالأنثى من القوم فيغيب عن أبصارهم من سوء ما بشر به عنده . رويَ أن [ الـ ] ـرجل كان في الجاهلية يتوارى إذا حضر وقت الولادة أو قبله فإن ولد له ذكر سر به وظهر ، وإن كانت أنثى استتر وربما وأدها ، أي دفنها حية ، وربما أمسكها على كراهية وهوان . وهو قوله : { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } . ثم قال [ تعالى ] : { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } . أي : بئس الحكم حكمهم ، يجعلون لله ما لا يرضون لأنفسهم ، وما لا يجوز أن يكون له ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون . والهون والهوان في لغة قريش . وبعض [ بني ] تميم يجعل الهون مصدراً للشيء الهين . وقرأ عاصم الجحدري " أم يدسها ورده على الأنثى . وكان يلزمه أن يقرأ : { أَيُمْسِكُهُ } . وقرأ عيسى بن عمر " أيمسكها على هوان " وقرأ الأعمش : " أيمسكه على سوء " . ثم قال تعالى { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } . والمعنى : للذين لا يصدقون بالآخرة المثل السوء ، وهو القبيح ، وهو ما يسوء من ضرب له . { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } . [ أي ] : الأفضل والأكمل والأحسن وهو التوحيد . قال قتادة : { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } شهادة أن لا إله إلا الله . وقيل : [ هو ] الواحد الصمد الحليم الفرد العزيز الذي لم يلد ولم يولد . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } . أي : ذو العزة الذي لا يمتنع عليه معها عقوبة هؤلاء وغيرهم ممن يريد عقوبته على عصيانهم . { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره ، فلا يدخل تدبير [ ه ] خلل ولا خطأ . وقيل هي كلمة الوحدانية وصفتها أحد ، صمد ، فرد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً ، أحد . ثم قال تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } . أي : لو أخذ الله عصاة بني آدم لمعاصيهم ، ما ترك على الأرض أحداً ممن [ يدب ] { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } أي : إلى وقتهم الذي كتب لهم ووقت . فإذا جاء ذلك الأجل الذي وقت لهلاكهم ، لم يستأخروا عن الهلاك ساعة ولم يستقدموا ساعة قبله . قال بعضهم : كاد الجُعَل أن يعذب بذنب بني آدم وقرأ : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ [ ٱللَّهُ ] ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } الآية . وسمع أبو هريرة رجلاً يقول : أن الظالم لا يضر إلا بنفسه . فالتفت إليه أبو هريرة فقال : بلى والله ، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالاً بظلم الظالم . وقال ابن مسعود : خطيئة ابن آدم قتلت الجعل .