Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 62-65)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } إلى قوله { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } . قوله : { أَلْسِنَتُهُمُ } جمع لسان على لغة من ذكره . ويجمع إلى ألسن على لغة من أنثه . ولو سميت بالسن لم ينصرف في المعرفة خاصة للتعريف ولأنه على وزن الفعل إذا قلت : أنا أخرج وأنا أدخل ، ولو سميت بالسنة لم تنصرف على كل حال . ومعنى الآية : ويجعل هؤلاء المشركون لله ما يكرهون لأنفسهم . وذلك جعلهم له البنات وهم يكرهونها { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي الجنة : أي : يكذبون فيدعون أن لهم الجنة . { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } . أي : وجب أن لهم النار ، وقال مجاهد : { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } هو : قول كفار قريش لنا البنون / ولله البنات . وقال قتادة : الحسنى هنا الغلمان . وقرأ بعض الشاميين " ألسنتُهم الكُذْب " بالرفع ، جعله نعتاً للألسنة ، وبناه على فُعُل جعله جمع كذوب " وأن " عند قطرب في موضع رفع بجرم لأنه بمعنى : وجب أن لهم . وعند غيره في موضع نصب بجرم لأنه بمعنى كسب ، أي : كسب لهم ذلك أن لهم النار ، وما بعدها رد لما قبلها ، وقد تقدم ذكره { لاَ جَرَمَ } في سورة هود بأشيع من هذا . وقال ابن عباس { لاَ جَرَمَ } معناه : بلى أن لهم . وقيل : معناه : واجباً أن لهم . وقوله : { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } . من قرأ بفتح الراء ، فمعناه عند الحسن : معجلون إلى النار . وقال ابن جبير ، منسيون فيها ، متركون فيها . قال مجاهد : منسيون . وفي الحديث " أنا فَرْطُكُم على الحوض " [ أي ] متقدمكم إليه حتى تردوا علي . وأفرطته أقدمته . وقال أبو عبيدة والكسائي معناه : متركون في النار . فأما من قرأ بكسر الراء فمعناه : مبالغون في الإساءة . يقال : أفرط فلان على فلان إذا أربى عليه وبالغه في الشر . وقرا أبو جعفر " مفرِّطون " ، بالتشديد وكسر الراء ومعناه : مضيعون ما ينفعهم في الآخرة . وتصديقه قوله : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 56 ] . ثم قال تعالى : { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } . أي : والله يا محمد لقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك { فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي : حسنها لهم حتى كذبوا الرسل . { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } . أي : والشيطان وليهم ، أي : ناصرهم اليوم في الدنيا . ولهم في الآخرة عذاب أليم . وقيل : إنه يقال لهم : هذا الذي أطعتموه فاسألوه حتى يخلصكم [ تبكيتاً لهم و ] تأنيباً وتوبيخاً لهم . فيكون قوله : { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } إشارة إلى يوم القيامة . وهذا كله تعزية للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] وتصبير له إذا كذبه قومه ، فأعلمه الله [ عز وجل ] أنه قد فعل ذلك بمن أرسل قبله فيتأسى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بذلك ويزداد صبراً . ثم قال تعالى ذكره { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً } . أي : وما أنزلنا عليكم الكتاب يا محمد وجعلناك رسولاً إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه من دين الله [ عز وجل ] فتعرفهم الصواب منه من الباطل والهدى والرحمة . فهدى ورحمة مفعولان من أجلهما . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } . أي : والله أنزل من السماء مطراً فأحيى به الأرض الميتة وهي التي لا نبات فيها وحياتها بكون النبات فيها . وهذا كله تنبيه من الله [ عز وجل ] لخلقه على صنعه ولطفه ونعمه وإلا لا يفعل ذلك غيره وأن من كان مفرداً / باختراع هذه الأشياء لا تصلح العبادة إلا له لا إله إلا هو ، وفيه إشارة على إحياء الموتى كما أحيى الأرض بعد موتها . ثم قال : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } . أي : [ إن ] في أحياء الأرض بالنبات بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها لعلامة ودليلاً على توحيد الله [ عز وجل ] ، وإحياء الموتى لقوم يسمعون هذا القول فيتدبرونه .