Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 66-69)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } إلى قوله : { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . قوله : { نُّسْقِيكُمْ } مَنْ ضَمَّ النون ، أو فَتَح ، فهما لغتان عند أبي عبيدة . وقال الخليل وسيبويه : سقيته ناولته ، وأسقيته جعلت له سقياً . وقوله : { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } يذهب سيبويه أن العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد . وقال [ الكسائي معناه نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا . فذكر على ذلك . وقال ] الفراء : الأنعام والنعم واحد فرجع هنا إلى تذكير النعم . وحكى عن العرب : هذا نعم وارد . وقال أبو عبيدة : معناه نسقيكم مما في بطون أيها كان [ ذا ] لبن لأنها ليست كلها لها [ لبن ] . وعن الكسائي أن التذكير على البعض أي نسقيكم مما في بطون بعض الأنعام . وقيل : المعنى : أن التذكير إنما جيء به لأنه راجع على ذكر النعم ، لأن اللبن للذكر منسوب . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللبن للفحل " وبذلك يحكم أهل المدينة وغيرهم في حكم الرضاع . ومعنى الآية : وأن لكم لعظة في الأنعام التي نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم . والفرث ما يكون في الكرش من غذائها . ويقال : أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها . لبنا خالصاً : أي خلص من مخالطة الفرث والدم . والمعنى : أن الطعام يكون منه [ ما ] في الكرش ، ويكون منه الدم ، فيخلص اللبن من الدم . ومعنى : { خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } أي : يسوغ لمن شربه ، ولا يغص به . وقيل معناه : سهلاً لا يشجى به من شربه متساغ في الحلق لا يشاحه [ فيه ] مرارة . وقيل : إنه لم يغص أحد باللبن قط . وهذه الآية تدل على فساد قول من يقول : أن المني إنما نجس لسلوكه مسلك البول [ فهذا اللبن يسلك مسلك البول ] وهو طاهر . وهذا إنما يصح على قول : من يرى أن أبوال الإبل والبقر والغنم غير طاهرة . ولا يلزم من قال : إن أبوالها طاهرة . ثم قال تعالى : { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } . معناه : ولكم أيضاً أيها الناس عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب . و " ما " محذوفة من الكلام . والمعنى من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون . وإنما جاز الحذف لدلالة " من " عليها لأن " من " تقتضي التبعيض ، فدلت على الاسم المبعض فحذف . وقال بعض البصريين التقدير : ومن ثمرات النخيل والأعناب شيء تتخذون ، وحذف شيء لدلالة الهاء في " منه " عليه . فأما " السكر " [ فـ ] قال / ابن عباس : " السكر " ما حرم الله [ عز وجل ] من شرابه ، و " الرزق الحسن " ما أحل من ثمرته ، يعني : الزبيب والتمر . وقال [ به ] ابن جبير ومجاهد . وقال الحسن : ذكر نعمته في السكر قبل تحريم الخمر . وقال قتادة : السكر خمور الأعاجم ، والرزق الحسن مما تنتبذون وما تخللون وما تأكلون . وهذا منسوخ عند أكثر العلماء ، وهو قول : مجاهد وابن جبير والشعبي . والذي عليه أهل النظر : إن هذا لا يجوز نسخه لأنه خبر ، وليس بأمر فينسخ ، وإنما نزلت هذه الآية قبل أن تحرم الخمر . أخبرنا الله [ عز وجل ] أنهم يتخذون [ به ] ذلك . فلم يأمرنا بشربها ، إنما هو خبر عما أنعم عليهم به وقد قال أبو عبيدة السكر : الطعم يعني : الزبيب ، والعنب ، والثمر والرطب . وقال غيره السكر ما يسد الجوع مشتق من سكرت النهر إذا سددته . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . أي : إن في ما ذكر من النعم التي أنعمها عليهم لدلالة واضحة لقوم يعقلون عن الله [ عز وجل ] حججه [ و ] يفهمون عنه [ سبحانه ] مواعظه [ جلت عظمته ] . ثم قال تعالى : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً } . أي : ألهم ربك يا محمد النحل بأن تتخد من الجبال بيوتاً { وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } . يعني الكروم ، وقيل : " يعرشون " يبنون من السقوف . { فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } . أي : طرق ربك ، { ذُلُلاً } أي : متذللة . وقال مجاهد : لا يتوعر عليها مكان سلكته . فيكون على هذا التأويل " ذللاً " حالاً من السبل ، وعلى القول الأول : حالاً من الضمير في اسلكي ، وهو قول : قتادة ، لأنه قال : معناه : فاسلكي سبل ربك مطيعة . وقال ابن زيد : الذلول : الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه ، قال : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون بها ويذهبون وهي بينهم . ثم قرأ : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } [ يس : 71 ] . فيكون ذللاً على هذا التأويل حالاً من النحل . واختار الطبري أن يكون حالاً من السبل لقربه منها . وقوله : { مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } ، أي : منه أبيض وأحمر . وقوله : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } . قال مجاهد : الهاء في فيه لـ [ ـلـ ] ـقرآن ، وقال [ به ] الحسن والضحاك ، أي : فيما قصصنا عليك من الآيات شفاء للناس ، وقيل : الهاء عائدة على العسل ، قاله : قتادة . وقيل " للناس " : عام يراد به الخصوص . والمعنى : لبعض الناس ، لمن قدر الله [ عز وجل ] له أن يشفى بالعسل . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخبار أنه العسل ، وهو قول : ابن عباس . وقال : ابن مسعود : عليكم بالشفاءين فإن الله جعل في القرآن شفاء وفي العسل شفاء . وقال : " العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور " وكان ابن عمر لا يشكو قرحة ، ولا شيئاً ، إلا وجعل عليها العسل حتى الدمل إذا كان به طلاه بعسل ، / فقيل له في ذلك فقال : أليس الله [ عز وجل ] يقول : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } . وروي أن عوف بن مالك الأشجعي مرض ، فقيل له : ألا نعالجك ؟ فقال [ نعم ] : ايتوني بماء سماء فإن الله يقول : { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً } [ ق : 9 ] ، وإيتوني بعسل فإن الله يقول : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } . وايتوني بزيت فإن الله يقول : { مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } [ النور : 35 ] فجاء بذلك ، فخلطه جميعاً [ ثم شربه ] فبرئ . ثم قال [ تعالى ] { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . أي : إن في إخراج العسل من أفواه النحل كما يخرج الريق من فم أحدكم على اختلاف مطاعمها ومراعيها إذ ترعى حامضاً ومراً وما لا طعم له ، ثم تهتد [ ي ] إلى سلوك السبل وترجع إلى بيوتها ، لدلالة وحجة لمن تفكر في ذلك فيعلم أن الله على كل شيء قدير ، وأن العبادة لا تكون إلا له ، لا إله إلا هو .