Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 73-76)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً } إلى قوله : { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . المعنى : ويعبد هؤلاء المشركون من دون الله [ سبحانه ] ، أوثاناً لا يملكون لهم رزقاً " من السماوات " أي : لا تنزل مطراً لإحياء الأرض . " والأرض " أي : ولا تملك لهم أيضاً رزقاً من الأرض ، لأنها لا تقدر على إخراج نباتها وثمارها لهم . { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } . أي : لا تملك أوثانهم شيئاً من السماوات والأرض . و { رِزْقاً } نصب بيملك . و { شَيْئاً } نصب برزق . وكان أصله : رزق شيء كما يقول : ضرب زيد فلما فرق بينهما انتصب شيء لأنه مفعول به برزق . وهو مثل قوله الشاعر : @ فلم أنكل عن الضرب مسمعاً . @@ كان أصله : عن ضرب مسمع ، فلما [ أ ] دخل الألف واللام امتنعت الإضافة فانتصب المفعول به ومثله في التنوين : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } [ المرسلات : 25 - 26 ] كان أصله كفاتاً إحياء وأموات [ أي جمع أحياء وأموات ] . والكفت الجمع والضم ، أي : تجمعهم وتضمهم على ظهرها أحياءً وفي بطنها أمواتاً فلما نون { كِفَاتاً } انتصب { أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } على المفعول به ، والعطف عليه ، وله نظائر ، وهو أصل من أصول العربية . وقد منع بعض البصريين أن يعمل " رزق " في " شيء " لأنه اسم ، وليس بمصدر ، وقال ينتصب " شيء " على البدل من " رزق " . ثم قال [ تعالى ] { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } . قال الضحاك ، معناه : لا تعبدوا من دون الله ما لا ينفعكم ، ولا يضركم ، ولا يرزقكم . وقال ابن عباس : هو اتخاذكم الأصنام . يقول تعالى ذكره : لا تجعلوا معي إلهاً غيري . وقيل معناه : لا تمثلوا الله [ سبحانه ] بخلقه فتقولوا : هو يحتاج إلى شريك ومشاور فإن هذا إنما يكون لمن لا يعلم ودل على هذا المعنى قوله [ عز وجل ] : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . وقيل معناه : لا تمثلوا خلق الله به ، فتجعلوا له من العبادة مثل ما لله [ سبحانه ] . ثم قال تعالى : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } الآية . هذا مثل ضربه الله [ عز وجل ] للكافر والمؤمن ، قال قتادة : قوله : { عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } ، هذا مثل ضربه الله [ عز وجل ] للكافر رزقه الله مالاً ، فلم يقدر فيه على [ خير ] ، ولم يعمل فيه بطاعة الله [ عز وجل ] ثم قال [ تعالى ] : { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } فهذا للمؤمن أعطاه الله مالاً يعمل فيه بطاعته فأخذ فيه بالشكر ومعرفة الله [ عز وجل ] ، فأثابه الله [ سبحانه ] على / ما رزقه [ في ] الجنة . ثم قال : { هَلْ يَسْتَوُونَ } . أي : هل يستوي هذان وهما بشران ؟ فكيف سويتم أيها المشركون بين الله وبين الحجارة التي لا تعقل ولا تنفع ولا تضر . وقيل : " العبد المملوك " أبو جهل بن هشام ، و { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يستويان . وقيل : " العبد المملوك " الصبي لأنه عاجز مربوب { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } مثل لله رب العالمين ، لأنه يرزق المخلوقين ويلطف بهم من حيث [ يعلمون ومن حيث ] لا يعلمون ، وهذا قول : مجاهد ، قال مجاهد : هو مثل لله الخالق ومن يدعى من دونه من الباطل . ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } وهو المطبق الذي لا ينطق ولا يسمع . { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ } أي : على وليه { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي : هل يستوي القادر التام التمييز ، والعاجز الذي لا يسمع ولا يتكلم ولا يأتي بخير ؟ فهما لا يستويان عندكم لاختلاف أحوالهما ، وهما بشران ، فكيف سويتهم بين الله [ سبحانه ] والأحجار ؟ . وقال مجاهد والضحاك : هذا مثل لله [ عز وجل ] ومن عبد من دونه . وقال قتادة : هو للمؤمن والكافر . وقال ابن عباس : أنزلت هذه الآية : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } في هشام بن عمر ، وهو الذي لا ينفق ، ومولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه . وقوله : { [ وَ ] ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } الأبكم منهما : الكل على مولاه أسيد بن أبي العاصي ، والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم عثمان بن عفان . وقيل : الأبكم يعني به أبي بن خلف هو كالأبكم إذ لا ينطق بخير ، وهو كل على قومه كان يؤذيهم ويؤذي عثمان بن مظعون . { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } يعني : حمزة بن عبد المطلب . وقيل : هو مثل ضربه الله [ عز وجل ] لنفسه والصنم المعبود من دونه وهو الأبكم . والفاضل هو مثل لله . وقيل الفاضل من الرجلين عثمان بن عفان رضي الله [ عنه ] والأبكم مولى له كافر ، قاله : ابن عباس . وقال مجاهد : الذي يأمر بالعدل ، هو الله [ عز وجل ] والأبكم ما يدعون / من دونه من الأصنام . قوله : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } . أي : الحمد الكامل لله دون من يدعا من دونه من الأوثان . قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } . أي : فعلهم فعل من لا يعلم ، وإن كانوا يعلمون . وقيل معناه : أنهم لا يعلمون وعليهم أن يعلموا . وقيل إن قوله : { رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } إنما هو مثل للصنم لا يسمع ولا ينطق . { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ } أي : كَلُّ على من يعبده ويلي أمره ، يحتاج أن يخدمه ويحمله ويضعه . { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } . أي : لا يفهم ما يقال له فيأتمر لمن أمره ، ولا يأمر ولا ينهى . { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } . أي : هل يستوي هذا الصنم ، والله الواحد القهار الذي يدعو إلى التوحيد وهو على صراط مستقيم . قاله : قتادة . وقيل : هذا المثل أيضاً إنما هو للمؤمن والكافر . واستدل بعض الفقهاء بهذه الآية أن العبد لا يملك . ومن جعل الآية مثلاً لله [ سبحانه ] والصنم لم يكن فيها حجة [ له ] في العبد .