Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 13-16)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي [ عُنُقِهِ ] } إلى قوله : { تَدْمِيراً } . المعنى : وكل إنسان ألزمناه مما قضي له أنه عامله وصائر إليه من شقاء أو سعادة . فعمله في عنقه لا يفارقه . وقوله : { أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي [ عُنُقِهِ ] } إنما هو مثل : خوطبوا به على ما كانوا يستعملون في التشاؤم والتفاؤل من سوائح الطير وبوارحها ، فأعلمهم الله [ عز وجل ] أن كل إنسان قد ألزمه الله طائره في عنقه نحساً كان أو سعداً . قال ابن عباس : " طائره " عمله وما قدره الله [ عز وجل ] عليه ، وكذلك قال مجاهد ، [ وقال ] : وما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد ، وقرأ : { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ } [ الأعراف : 37 ] أي : ما سبق لهم . يعني : كتاب عمله . وإنما خص العنق بالذكر [ دون ] سائر الأعضاء لأنه تعالى خاطب العرب / بلسانها وبما تستعمله من لغاتها . والعنق عند العرب هو موضع السمت وموضع القلادة والأطواق وغير ذلك ، فنسب إلزام الكتاب إلى العنق لكثرة استعمالهم المعاليق فيه . ألا ترى أنهم قد أضافوا الأشياء الملازمة سائر الأبدان للأعناق ، كما أضافوا جنايات أعضاء البدن إلى الأيدي فقالوا : " ذلك بما كسبت يداك " . وإن كان الذي كسبه لسانه أو فرجه . وقيل : " طائره " حظه . من قولهم : طار بينهم فلان بكذا ، إذا أخرج سهمه على نصيب [ من ] الأنصباء . وقوله : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً } . قرأه مجاهد والحسن وابن محيصن " ويخَرج " بياء مفتوحة . على معنى ويخرج له الطائر يوم القيامة كتاباً . فيكون الكتاب على هذه القراءة حالاً . وقرأ أبو جعفر " ويُخرج " بياء مضمومة ، على ما لم يسم فاعله والذي قام مقام الفاعل مضمر [ في ] الفعل و " كتاباً " منصوب أيضاً على الحال ، و " كتاباً " على قراءة الجماعة مفعول بـ " نخرج " . وقال قتادة : " طائره " عمله . والمعنى : على قراءة أبي جعفر ونخرج له ذلك العمل { كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } قال معمر : وتلى الحسن { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } [ ق : 17 ] ، فقال : يابن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك فـ [ ـيـ ] حفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت : أقلل أو أكثر ، حتى [ إذا ] مت طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتاباً تلقاه منشوراً . فيقال لك { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } قد عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك . ومعنى : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ } . أي : كتاب عملك الذي عملته في الدنيا كانت الملائكة تكتبه عليك { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } أي : حسيبك اليوم نفسك يحسب عليك أعمالك ويحصيها عليك لا ينبغي عليك شاهداً غيرها . ثم قال : { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ } . أي : من استقام على طريق الحق فليس ينفع إلا نفسه لأنه يوجب لها رضوان الله [ عز وجل ] ودخول جنته . { وَمَن ضَلَّ } أي : ومن جار أي : عن قصد الحق فليس يضر إلا نفسه لأنه يوجب لها غضب الله [ سبحانه ] ودخول النار [ أعاذنا الله منها ] . وتقديره من اهتدى فإنما يكسب أجر هدايته لنفسه : ومن ضل فإنما يكسب إثم ضلالته لنفسه وهو مثل قوله : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] [ وهو ] مثل قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . ويروى أنها نزلت في أبي سلمة / بن الأسود آمن ، وفي الوليد بن المغيرة بقي على كفره . وكان الوليد بن المغيرة يقول : اتبعوني وأنا أحمل أوزاركم . فأنزل الله ، جل ذكره : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . والآية عامة في كل مؤمن وكافر . ثم قال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . أي : لا يحمل أحد ذنب غيره . وقال " وازرة " بمعنى نفس وازرة . وقيل معناه : لا يعمل أحد بذنب لأن غيره قد عمل به كما قال الكفار . { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 22 ] . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } . أي : لا نهلك قوماً إلا بعد الأعذار إليهم بالرسل . وقال قتادة : إن الله [ عز وجل ] ليس يعذب أحداً حتى يسبق من الله إليه خبر ، أو تأتيه من الله [ عز وجل ] بينة . وقال أبو هريرة : إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة ، والأبكم ، والأخرس والشيوخ ، الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار . فيقولون [ كيف ] ولم يأتنا رسول ؟ قال : ولو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً فيرسل الله [ عز وجل ] إليهم [ رسولاً ] فيطيعه من كان يريد أن يطيعه . ثم قرأ أبو هريرة : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } . وقيل : معناه ما كنا معذبين أحداً في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولاً يبين لهم بأي شيء يعذبهم الله [ سبحانه ] وبأي شيء يدخلهم الله الجنة . وهذا قول حسن ، لأن الآخرة ليست بدار تعبد ، فيبعث الله فيها إلى أحد رسولاً ، أعلمنا الله أنه لا يعاجل أحداً بعذاب الدنيا إلا بعد إنذار برسول . فأما عذاب الآخرة فإنه يحل على من كفر بالتوحيد ، وإن لم يأته رسول ، لأن الله جل ذكره قد نصب دلالات ، وعلامات ، تدل على توحيده كل الخلق . فمن كفر ولم تنفعه تلك الدلالات والآيات دخل النار وإن لم يأته رسول . فإنما تأتي الرسل بالشرائع والتحريض على التوحيد الذي قد نصب الله [ عز وجل ] عليه الدلالات والعلامات . ثم قال تعالى : { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا } . قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عثمان النهدي وأبو العالية أمَّرنا مشدداً وكذلك روي عن أبي عمرو . وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي إسحاق وخارجة عن نافع بالمد . وقراءة الجماعة بالقصر والتخفيف . ومعناها : عند ابن عباس : أمرنا إشراف أهلها بالطاعة ففسقوا فيها . وقيل : " المترفون " هنا الفسقة . وقيل : هم المستكبرون . والفاسق والمستكبر إذا أمر عصا فيحق عليه القول بعصيانه . وعن قتادة : أن معنى " أمرنا " أكثرنا . وقال الكسائي : يجوز أن يكون " أمرنا " من الإمارة ، كالمشددة ، وأنكر أن يكون / بمعنى أكثرنا . قال : ولا يقال [ أمرنا ] بمعنى أكثرنا إلا بالمد . وقد حكى أبو زيد وأبو عبيد " أمرنا " مقصوراً ، بمعنى أكثرنا . ويقوي هذا التأويل الذي رده الكسائي أن الحديث : " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة . فالسكة المأبورة النخل المصلح . والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج . وهي من أمر . فأما من قرأ بالتشديد ، قال ابن عباس معناه سلطنا ، أي : جعلنا لهم إمرة وسلطاناً ففسقوا . والمترفون هنا الإشراف . ويجوز أن يكون بمعنى : أكثرنا ، قاله : الكسائي وغيره . فأما من قرأ بالمد ، فمعناه أكثرنا عددهم ونساءهم . يقال : أمر بنو فلان أمراً إذا كثر عددهم ، والإمر منه الاسم ومنه قوله تعالى : { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } [ الكهف : 71 ] أي : عظيماً . وقوله : { فَفَسَقُواْ فِيهَا } . أي : فخالفوا أمر الله [ سبحانه ] { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } أي : وجب عليها وعد الله [ عز وجل ] الذي وعد من عصاه [ به ] { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } أي : خربناها تخريباً وأهلكنا من فيها هلاكاً .