Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 9-12)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } إلى [ قوله ] : { فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } . المعنى : أن هذا القرآن يا محمد يرشد من اهتدى به للحال التي هي أقوم الحالات أي : أصوبها . وذلك دين الله [ سبحانه ] المستقيم وتوحيده [ جلت عظمته ] والإيمان بكتبه ورسله وهو مع هدايته يبشر المؤمنين العاملين الأعمال الصالحة أن لهم أجراً كبيراً وهو الجنة / . وكل شيء في القرآن أجر كريم وأجر كبير ورزق كريم فهو الجنة . وقيل : المعنى : ويبشر [ الله ] المؤمنين بذلك . قال مقاتل وغيره : التي هي أقوم شهادة أن لا إله إلا الله . وقيل معناه يهدي للخصال التي هي أصوب مما أمر الله [ عز وجل ] ، ودعا إليه ووعد عليه العطاء الجزيل والثواب العظيم وعلى هذا أكثر المفسرين . ولا إله إلا الله أصل الخصال الحسنة وأعظم ما دعا الله إليه عباده وندبهم إلى اعتقاده فهي العروة الوثقى والكلمة المنجية من العذاب . ثم قال [ تعالى ] : { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } . أي : لا يصدقون بها أعددنا لمقدمهم على ربهم عذاباً أليماً ، أي : مؤلم وموجع ، وذلك عذاب جهنم [ أعاذنا الله منها ] . ثم قال : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ } . المعنى : ويدع الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر دعاء مثل دعائـ [ ـه ] ربه [ عز وجل ] بالخير . أي : يسأل أن يهلك نفسه وولده وماله إذا غضب كما يسأل أن يحييه ويحيي ولده ويثمر ماله إذا رضي ، فلو استجاب له في الشر كما يستجيب له في الخير لأهلكه . ثم قال : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } . أي : يعجل على نفسه بالدعاء ، ولا يعجل الله [ عز وجل ] عليه بالإجابة . وروي أنها نزلت في النضر بن الحارث [ بن ] علقمة كان يدعو ويقول : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . وكان يدعو على نفسه بالشر كما يدعو [ لها ] بالخير . { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } أي : عجلة النضر بالدعاء على نفسه ، كعجلة آدم حين نهض [ قبل ] أن يجري فيه كله . وقال ابن عباس : لما نفخ الله [ عز وجل ] في آدم من روحه فدارت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري منها شيء في جسده إلا صار لحماً [ ودماً ] . فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده [ فأعجبه ] ما رأى من حسنه فذهب لينهض فلم يقدر فهو قوله : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } فالإنسان هنا في موضع الناس . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى سودة بنت زمعة أسيراً ، فجعل يئن من الليل . فقالت له : ما بالك تئن ؟ فشكى إليها ألم القد . فأرخت كتافه . فلما نامت أخرج يده وهرب . فلما أصبح النبي [ صلى الله عليه وسلم ] دعا به ، فأعلم شأنه . فقال : اللهم اقطع يدها ، فرفعت سودة يدها تتوقع الاستجابة ، أن يقطع الله يدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني سألت [ الله ] أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة ، لأني بشر أغضب كما يغضب البشر ، فلترد سودة يدها ثم قال تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } . معناه : أن الله [ عز وجل ] عرف عباده نعمه عليهم ، / فمن نعمه [ أن ] جعل الليل مخالفاً للنهار ليسكنوا في الليل ويتصرفوا في معائشهم [ التي قدرت لهم ] بالنهار ، وليعلموا عدد [ السنين والحساب أي : عدد ] سنينهم وحساب ساعات الليل والنهار . ومعنى { آيَتَيْنِ } أي : جعلنا الليل والنهار علامتين . فعلامة النها [ ر ] الشمس وعلامة الليل القمر { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } . أي : بيناه [ تبييناً ] بياناً شافياً . وقوله : { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } ، أي : لم يجعل للقمر ضياء ونوراً كالشمس وقوله : { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } أي : مضيئة ، وهي : الشمس . والمحو الذي في القمر هي اللطخة التي تظهر فيه للمتأمل ، ويروى أن الله جل ذكره أمر جبريل عليه السلام ، فأمرَّ بجناحه على القمر فصار فيه المحو الذي فيه . وقد كان ضياؤه مثل الشمس أو أشد ، ولكن الله جل ذكره فرق بينهما ليعرف الليل من النهار ، وليعلم عدد السنين والشهور ، والأجل ، والحج وغير ذلك . وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله [ عز وجل ] شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً فإنه جعلها مثل الدنيا على قدر ما بين مشارقها إلى مغاربها . وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمراً فإنه جعلها دون الشمس في العظم ، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض . ولو ترك الله القمر كما خلقه أول مرة لم يعرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولا عدد الأيام ولا الشهور ، فأرسل جبريل [ عليه السلام ] إلى القمر فأمرَّ جناحه على وجه القمر وهو يؤمئذ شمس ، ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي منه النور فذلك قوله : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ } الآية " فالسواد الذي يرون في القمر أثر المحر .