Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 17-21)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } إلى قوله { وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } . هذه الآية فيها تهدد ووعيد لمشركي قريش أن يحل بهم من الهلاك مثل ما حل بالأمم الماضية بعد نوح من الأهلاك بذنوبهم . ثم قال تعالى : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } . أي : حسبك يا محمد بعلم ربك وإحصائه لذنوب عباده . والقرن عشرون ومائة سنة . وقيل مائة سنة . وقيل : أربعون سنة . ودخلت الباء في " كفى بربك " و " كفى بالله " لأن في الكلام معنى المدح . فالباء تدل عليه . كما يقول : أكرم به رجلاً . وناهيك به صاحباً . ثم قال تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } . أي : من كان يعمل للدنيا وإياها يطلب ولا يوقن بمعاد ولا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } من توسيع أو تقتير لمن نريد . وقرئت " ما شاء " بالياء ، على معنى : ما يشاء الله ، أو على معنى : ما يشاء المعجل له ثم يقطره إلى جهنم يصلاها مدموماً مدحوراً . وقال أبو إسحاق الفزاري : معناه : ما نشاء لمن نريد هلاكه . وقال ابن عباس : " مذموماً " : ملوماً . [ ثم قال تعالى ] { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } . أي : ومن أراد ثواب الآخرة وعمل لها عملها الذي هو طاعة الله " وهو مؤمن " أي : مصدق بثواب الله [ سبحانه ] وعقابه [ عز وجل ] { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } وشكر الله [ عز وجل ] إياهم على سعيهم ، حسن جزائه [ تعالى ] لهم على أعمالهم وتجاوزه عن سيئاتهم . ثم قال : { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } . " كلا " منصوب بنمد و " هؤلاء " / بدل من كل . والمعنى : أن الله [ عز وجل ] يرزق كلا : الذين يريدون العاجلة ، والذين يريدون الآخرة من عطائه إلى بلوغ أجل الفريقين . ثم تفترق بهما الأحوال بعد الممات . وتفترق بهم الورود يوم القيامة . فمن أراد العاجلة فإلى جهنم يرد ومن [ أراد ] الآخرة فإلى الجنة يرد . ثم قال : { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } . أي : ممنوعاً عمن بسطه الله [ عز وجل ] عليه ، قال قتادة : محظوراً منقوصاً . وقال في معنى الآية : إن الله [ عز وجل ] قسم الدنيا بين البر والفاجر : والآخرة خصوصاً عند ربك للمتقين . ومثل هذه الآية في معناها على قول قتادة : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ الأعراف : 32 ] أي : يشترك في الدنيا في الطيبات البر والفاجر . و [ الآخرة خصوصاً عند ربك للمتقين ، أي ] : تخص الآخرة للمؤمنين . ثم قال تعالى : { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } . والمعنى : انظر يا محمد كيف هدينا أحد الفريقين إلى السبيل الأرشد ، ووفقناه إلى الحق . وخذلنا الفريق الآخر فأضللناه عن الحق ، { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } إذ ينصرف فريق إلى النعيم المقيم ، وفريق إلى عذاب جهنم لا يفتر عنهم أبداً . وقيل : { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ } في أهل الجنة يتفاوتون في المنازل فيها ، منهم من يعلو على بعض في النعيم والدرجات على قدر منازلهم وأعمالهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم " بين أعلى أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها " قال الضحاك : من كان من أهل الجنة عالياً رأى فضله على من هو أسفل منه ومن كان دونه لم ير أن أحداً فوقه أفضل منه .