Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 22-24)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } إلى قوله : { كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } . معنى الآية أن ظاهرها خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته ، والمعنى لا تجعلوا مع الله شريكاً فيقعد كل واحد منكم مذموماً ، أي : ملوماً على ما صنع " مخذولاً " أي : قد أسلمه ربه . ثم قال تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } . قال ابن عباس : قضى معناه : أمر . وفي حرف عبد الله : " ووصى ربك " وكذلك قرأها الضحاك و [ الـ ] ـمعنى أمر أن تفردوه بالعبادة فلا تجعلوا له شريكاً . ثم قال : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } . أي : وأمركم أن تحسنوا بالوالدين إحساناً ومعنى " بالوالدين " إلى الوالدين . وقوله : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } . من وحد يبلغن فلأنه فعل مقدم فاعله { أَحَدُهُمَا } . ومن أظهر ضمير اثنين فلأنه تقدم ذكر الوالدين فثناهما لتقدم ذكرهما قبل الفعل . ويكون أحدهما مبتدأ وكلاهما معطوف عليه والخبر محذوف . وقيل : أن أحدهما أو كلاهما بدل من المضمر في يبلغن . ثم قال [ تعالى ] : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } / . في " أف " / سبعُ لغات : أفَّ بالفتح وأفِّ بالكسر ، [ و " أف " ، بالكسر ] والتنوين . فهذه ثلاث قرئ بهن وأربع لم يقرأ بهن وهن : أفّاً بالنصب والتنوين وأفٌّ بالضم والتنوين وأف بالضم غير منون . وحكى الأخفش : " أفي " بالياء . فمن فتح أو ضم أو كسر حركة لالتقاء الساكنين . ومن فتح ونون اعمل الفعل فيه كما تقول : ما قتلت أفاً ولا تفاً . ومن كسر ونون كسر لالتقاء الساكنين وشبهه بالأصوات فنونه . وقيل أن من نونه جعله نكرة ، معناه : لا تقل لهما قبيحاً من القول . ومن لم ينونه جعله معرفة معناه : لا تقل لهما القبيح من القول . وقيل [ المنَوَّن ] منه وغير المُنَوَّن سواء ، وإنما يكون التنوين فرقاً بين المعرفة والنكرة فيما جاء ناقصاً على حرفين نحو مه وصه ، ولكن شبه هذا بما جاء على حرفين من هذه فنون على التشبيه لأنه يعطى ذلك للمعنى من التعريف والتنكير . ومن ضم حركة لالتقاء الساكنين . و [ من ] خصه بالضم على التشبيه بقبل وبعد . وقيل : ضم على الاتباع لضمة الهمزة كما تقول : مُدَّ . فتضم الدال اتباعاً لضمة الميم . ومن نون المضموم فعلى القولين الأولين : على التشبيه بالأصوات [ أو ] للفرق بين المعرفة والنكرة . واستبعد الأخفش التنوين مع الضم . قال : لأنه ليس معه لام . كأنه يقدره إذا رفعه ونونه مرفوعاً بالابتداء . كما يقال : قيل : ويل له . وقال في نصبه بالتنوين : إنه مثل : تعساً له . ومعنى : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } أي : أن يبلغا عندك من الكبر ما يحدثان عندك من الضعف تحتهما ، فلا تقذرهما حين ترى الأذى . ولكن تمـ [ ـيـ ] ـط عنهما ذلك كما كانا يميطانـ [ ـه ] عنك صغيراً ، قاله مجاهد . وقيل معناه : لا تستثقلهما ولا تغلظ عليهما في القول ولا تتبرم عليهما . و [ أ ] صل هذا : أن الإنسان إذا وقع عليه غبار أو شيء فتأذى به نفخه فقال : " أف " وقيل الأف : وسخ الأظفار . والتف الشيء الحقير ، نحو وسخ الأذن . والأول أشهر وأعرف . وقوله : { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } . [ أي ] : ولا تضجر عليهما وتصح . وقال عطاء : لا تنفض يديك على والديك . { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } ، قال ابن جريج : أحسن ما تجد من القول . وعن عمر ابن الخطاب [ رضي الله عنه ] أنه قال : لا تمتنع من شيء يريدانه . وقال قتادة : { قَوْلاً كَرِيماً } سهلاً ليناً . وقال ابن المسيب : هو قول العبد المذنب الذليل للسيد الفظ الغليظ . ثم قال : { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } . أي : كن لهما ذليلاً ، رحمة منك لهما / وتعظيماً فيما أمر [ ا ] ك به مما ليس معصية [ لله عز وجل ] . هذا قول عروة بن الزبير . وعنه أيضاً أن معناه : لا تمتنع من شيء أحباه . والذل والذلة : مصدر الذليل . والذل : بكسر الذال من غيرهما ، مصدر الذلول . نقول دابة ذلول بينة الذل إذا كانت لينة . ومنه قوله : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } [ الملك : 15 ] . وقرأ ابن جبير والجحدري " الذِل " بكسر الذال ، بمعنى : ألِنْ لهما جانبك واسمح لهما . يقال رجل ذلول بين الذل إذا كان سمحاً لينا مواتياً . ومنه { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } [ الإنسان : 14 ] . ثم قال تعالى : { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } . أي : وقل : يا رب اعطف عليهما برحمتك كما عطفا عليّ في صغر [ ي ] فرحماني وربياني صغيراً . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم وهو رافع صوته : " من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه " وكانوا يرون أن من بر والديه ، وكان فيه أدنى تقى ، فإن ذلك مبلغه جسيم بالخير . و [ قد ] قال بعض العلماء أن قوله : { رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } منسوخ بالنهي عن الاستغفار للمشركين . وقال بعضهم : الآية مخصوصة في المؤمنين خاصة . وقيل : هي عامة إلا لمن مات من المشركين ، فلا يستغفر له . فأما إذا كانا مشركين حَيَّيْنِ ، فيجوز للمسلم أن يستغفر لهما كما فعل إبراهيم [ صلى الله عليه وسلم ] خليل الرحمن [ عز وجل ] . ويروى أن رجلاً قال : " يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما [ به ] بعد موتهما ؟ قال : " نعم ، الصلاة عليهما [ يعني ] الدعاء لهما ، والاستغفار لهما ، وإكرام صديقهما ، وإنفاد عهدهما ، وصلة الرحم التي لا يوصل إلا بهما " .