Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 29-32)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } إلى قوله { وَسَآءَ سَبِيلاً } . هذا مثل ضربه الله [ عز وجل ] للممتنع من الإنفاق في طاعة الله [ عز وجل ] وفي الحقوق التي أوجبها الله [ سبحانه ] ، فجعل المانع لذلك كالمشدودة يده إلى عنقه لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء . والخطاب للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] والمراد به أمته ، والمعنى : ولا تمسكوا أيديكم بخلاً عن النفقة في الله ، فتكونوا كالمغلولة يداه إلى عنقه ، ولا تبسطوها بالنفقة كل البسط ، فتبقون لا شيء لكم ولا تجدون إذا سئلتم ما تعطون سائلكم ، فتقعدون ، وأنتم ذوو لوم ، أن يلومكم سائلوكم إذ لم تعطوهم ، وتلومكم أنفسكم على الإسراف في أموالكم . ومعنى { مَّحْسُوراً } أي : مقطوعاً لا شيء معك ، هذا معنى قول ابن عباس وقتادة . وقال ابن جريج : معناه لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به ، ولا تبسطها بالإنفاق فيما نهيتك عنه ، " فتقعد ملوماً " مذنباً " محسوراً " منقطعاً بك . وقال ابن زيد : معناه : لا تمسك عن النفقة في الخير ، ولا تنفق في الحق والباطل ، فينفد ما في يديك فلا تجد ما تعطي سائلك فيلومك ، وتقول أعطيت هؤلاء ولم تعطني . وقيل المعنى لا تبخل فتمنع حق الله [ عز وجل ] ولا تجاوز الحق الواجب في الإنفاق والإعطاء فيبقى قوم من السؤال يتأخرون فلا يجدون ما يأخذون { فَتَقْعُدَ مَلُوماً } يلومك الناس الذين فاتهم العطاء " محسوراً " أي منقطعاً ليس معك ما تعطي . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } . أي : يوسّع على من يشاء في رزقه ويقتر على من يشاء ، إنه خبير بعباده يعلم مصالحهم ويعلم ما يفسده السعة في الرزق ويصلحه التقتير ، ومن يفسده التقتير وتصلحه السعة ، بصير بتدبيرهم وسياستهم . وروي عن قالون : " كل البصط " بالصاد . والأشهر عنه وعن الجماعة بالسين . ثم قال [ تعالى ] : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } . هذا نهي عما كانت العرب تفعله . كانت تقتل البنات خوف الفقر [ والإملاق ] والفاقة ، فأخبرهم الله [ عز وجل ] أن أرزاقهم وأرزاق أولادهم على الله [ عز وجل ] . وتقتلوا في موضع / نصب عطف على : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } [ الإسراء : 23 ] ولا تقتلوا " . و [ قيل ] : هي في موضع جزم على النهي . وكذلك : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ } [ الإسراء : 23 ] . " ولا تقتلوا " : وما بعده هو كله عند الطبري منصوب محمول على : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } وينقض عليه هذا التقدير قوله : " ولا تقف " وقوله : " ولا تمش " ، فهذا مجزوم على النهي بلا اختلاف ، فما قبله مما عطف عليه [ مثله مجزوم ] وعلى ذلك أكثر العلماء ، وهو الصواب إنشاء الله [ عز وجل ] . ومعنى " كان خِطئاً " : على قراءة نافع كان إثماً كبيراً . لأنه يقال : خطئ يخطا خطئاً فهو خـ [ ـا ] طئ كإثم يأثم [ إثماً ] فهو آثم ، وذلك إذا أتى الذنب عمداً . ويقوي هذا ما روي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج أنهم قالوا : الخطء الخطيئة . ومعنى الآية : يدل [ على ] هذه القراءة لأنهم كانوا يتعمدون قتل البنات خوف الفقر . وقيل : إن هذه القراءة لغة في الخطأ والخطأ ما لم يتعمد فجاء فيه فعل وفعل كما يقول قتبٌ وقُتُبٌ ، ونَجِسٌ ونَجَسٌ . وقراءة ابن ذكوان : " خَطَأ " بفتح الخاء والطاء . ومعناها : كان غير صواب . الخطأ ما لم يتعمد فعله يقال أخطأ الرجل يخطي أخطاءً إذا لم يتعمد . والخطأ الاسم منه . وزعم أبو عبيدة أن الخطء [ والخطا ] مما تعمّد كلاهما من خطئة فالخطأ الاسم منه والخطا المصدر بمنزلة حذر حذراً . وقرأ ابن كثير " خطاءً " بالمد وكسر الخاء . وقرأ الحسن بفتح الخاء والمد . وأنكرهما النحاس ، ووجههما ظاهر . وقد قال امرؤ القيس في وصف فرسه : @ لها وثبات كصَرُبِ السحاب فواد خطاء وواد مُهْر @@ ويروى بفتح الخاء ، رواه أبو حاتم بالفتح لقراءة الحسن . ورواه أبو عبيدة " فواد خطيط " . قال الأصمعي : الخطيطة : أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين . فكان فرسه يثب وادياً لا يؤثر فيه ويؤثر في آخر ، فشبه ما يؤثر فيه بالواد الممطور . وما لم يؤثر فيه بالواد الخطيط . فهذا تمثيل . وقال ابن الإعرابي : " فواد خطا " أي يخطو وادياً ، وواد مطر . أي تعدو [ وا ] دياً . فتكون [ خطاء ] : جمع خطوة ، مثل : صفوة وصفاء . [ فيكون ] معنى القراءة ، على هذا المعنى ، إن قتلهم كان تركاً للحق ومجاوزة إلى الباطل . ثم قال [ تعالى ] : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } . أي : وقضى ربك ألا تقربوا الزنا . هذا [ على ] قول : من جعله في موضع نصب . ومن جعله مجزوماً ، قدره نهياً بعد نهي فالمعنى أن الزنا كان فاحشة . { وَسَآءَ سَبِيلاً } أي : وساء طريق الزنا طريقاً لأنه معصية لله [ عز وجل ] تورد صاحبه نار جهنم .