Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 58-61)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِن [ مِّن ] قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا } إلى قوله { لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } . المعنى : وما من أهل قرية إلا سيهلكون قبل يوم القيامة إما بعذاب أو بموت . وقيل معناه وإن من قرية مفسدة أو ظالمة إلا نحن مهلكوها . [ وهو / قول حسن ] دليله [ قوله تعالى ] . { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [ القصص : 59 ] وله في القرآن نظائر . { ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } . أي : في اللوح المحفوظ . وقيل في الكتاب الذي كتبه الله [ عز وجل ] للملائكة فيه أخبار العباد الكائنة والتي لم تكن ليستدلوا بذلك على قدرته [ جلّت عظمته ] . ثم قال تعالى : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ } . المعنى وما منعنا أن نرسل بالآيات [ التي ] اقترحتها قريش { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } فأهلكوا واستؤصلوا فلو أرسلت إلى هؤلاء بالآيات وكذبوا لأهلكوا واستؤصلوا ، ففعل الله [ عز وجل ] بهم في ترك مجيء الآيات التي سألوها فيه الصلاح . وفي هذا ما يدل على أن الله جل ذكره أخَّر الآيات عن قريش ، لئلا يكفروا بها فيهلكوا كما فعل بالأمم قبلهم . فكان تأخيره لذلك لما علم أن منهم من يؤمن ومنهم من يولد له من يؤمن . فأخّر الآيات ليتم علمه فيهم . وعلم من الأمم الأول أنه لا يؤمن أحد منهم ، ولا يولد لأحد [ منهم ] من يؤمن فأرسل الآيات فكفروا فأهلكوا . وأخّر ذلك عن قريش ليتم ما علم منهم . وقد ظهرت آيات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . فالمعنى في هذا : ما منعنا أن نرسل بالآيات التي معها الاصطلام والهلاك لمن كذب بها ، إلا أنا حكمنا على كافري أمة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] بعذاب الآخرة وألا يصطلموا بعذاب الدنيا . وهو قوله { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . فالنبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين إذ أستنقذهم من الضلال وهداهم إلى الإيمان ، وهو رحمة للكافرين إذ أخّر عذابهم واصطلامهم إلى الآخرة . قال ابن عباس : " سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، وأن ينحي عنهم الجبال ، فيزرعون فقيل له : " إن شئت أن تستأتي بهم لعلنا نجتني منهم . وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم قال لا ، بل استأني بهم فأنزل الله الآية " وعلى هذا المعنى قول الحسن وابن جبير وقتادة ، وهم أهل مكة . ثم قال [ تعالى ] { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً } . أي : وقد سألـ [ ـت ] الآيات من قبل محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ثمود فأتيناها ما سألت وجعلنا تلك الآية [ ناقة ] مبصرة ، أي : ذات أبصار ، أي : مضيئة ظاهرة بمنزلة قوله : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] أي : مضيئاً . وقيل : معنى مبصرة مبينة . أي : تبين لهم صدق صالح عليه السلام . وقال مجاهد مبصرة [ آية ] . ثم قال : { فَظَلَمُواْ بِهَا } . أي : فظلموا من أجلها لأنهم عقروها وكفروا بما جاءتهم فصار ظلمهم من أجلها . وقيل : معناه فظلموا بتكذيبهم بها . ثم قال : { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } . أي : وما نرسل بالعبر إلا تخويفاً / للعباد . وقيل : الآيات هنا : [ هي ] آيات القرآن . وقال الحسن : هو الموت الذريع . وقال نفطويه : الآيات هنا ثلاث : آية تدل على النبوة ومعجزة . وآية عقوبة ، يعني : سؤال تبين فيها القدرة ، وهاتان معهـ [ ـمـ ] ـا النظرة ، ومنه قوله : { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } فهذه معها النظرة ، والثالثة : آية سألتها أمة غير ما جاءها به نبيها فهذه لا نظرة معها إذا أعطيتها الأمة فكفرت بها أهلكت . ثم قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } . أي : واذكر يا محمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ، وذلك أن الله جل ذكره وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيمنعه من كل من بغاه بسوء ، فذكره هنا ما قد قال له أولاً . ومعنى : { أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } أي : هم في قدرته وقبضته فلا يصلون إليك يا محمد بسوء ، فامض لما أمرت به [ من ] تبليغ الرسالة . قال الحسن : معناه : أحاط لك بالعرب ألا يقتلوك ، فعرف أنه لا يقتل . ثم قال : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ [ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ] } . يعني : [ ما أراه ] ليلة أسري به افتتن بها قوم فارتدوا عن الإسلام . وهذا مما يدل على أن الرؤيا التي كانت رؤيا عين لا رؤيا نوم . لأنها لو كانت رؤيا نوم ما افتتن أحد بها ولا ارتد . لأن الإنسان يرى في نومه مثل هذا وأبعد منه . فلما أخبرنا الله [ عز وجل ] أن الرؤيا كانت فتنة للناس ، علمنا أنها رؤيا عين . لأن من كان ضعيفاً في الإسلام يستعظم الوصول إلى بيت المقدس والرجوع منها في ليلة فيرتد بجهله ، وقلة علمه . وأيضاً فإنها لو كانت رؤيا نوم ، لم تكن بآية ولا فيها دلالة عن نبوة ، لأن سائر الناس ، قد يرى في نومه ما هو أبعد من ذلك . وعن ابن عباس : إن هذه الرؤيا المذكورة هنا هي رؤيا رءاها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة . رأى أنه يدخل مكة هو وأصحابه . فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة قبل الأجل . فرده المشركون . فقال ناس : قد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان حدثنا أنه سيدخلها ، فاتتن قوم بذلك . والصحيح أن الرؤيا هنا ما رأى إذ أسري به . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح - غداة أسري به - على قريش فأخبرهم الخبر ، فقال أكثرهم : إن العير لتطرد شهراً من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهر مقبلة ، فيذهب محمد ذلك في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة . فارتد جماعة من الناس ، فذلك الفتنة التي ذكر الله [ عز وجل ] . ويروى " أن الناس ذهبوا إلى أبي بكر [ رضي الله عنه ] فقالوا يا أبا بكر : صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . / فقال أبو بكر : تكذبون عليه . فقالوا : بل ها هو ذا في المسجد يحدث بها الناس . فقال أبو بكر : والله لئن كان قالها لقد صدق ، فما يعجبك من ذلك ؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه . ثم أقبل أبو بكر حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أحدثت هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم . قال : يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته . قال الحسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فرفع لي حتى إني نظرت إليه فجعل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصفه لأبي بكر وأبو بكر يقول : صدقت أشهد أنك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كلما وصف له منه شيئاً قال : صدقت أشهد أنك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى إذا انتهى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : وأنت يا أبا بكر : الصديق . فيومئذ سماه الصديق " وأنزل الله [ عز وجل ] فيمن ارتد عن إسلامه في ذلك الوقت الآية : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ } الآية . وقيل : إنها رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فغمته : رأى أن بني أمية ينزون على منبره نزو القردة . فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات . والقولان الأولان أحسن وأبين لأن هذه الرؤيا لو صحت ما كان فيها فتنة لأحد . وقد أخبرنا الله أنه جعلها فتنة للناس . وأيضاً فإن السورة مكية ، والرؤيا التي رآها في المنام بالمدينة كانت . وقوله : { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } . قال ابن عباس : هي شجرة الزقوم . وهو قول : [ أبي ] مالك ، وعكرمة وابن جبير والنخعي ومجاهد والضحاك . وقال الحسن : كانت قريش يأكلون الثمر والزبد ويقولون تزقموا من هذه الزقوم فوصفها الله [ عز وجل ] لهم في " والصافات " . قال الحسن : قال أبو جهل وكفار قريش : أليس من كذب ابن أبي كبشة أنه يوعدكم بنار تحترق فيها الحجارة ويزعم أنها تنبت فيها [ الـ ] ـشجرة . وعن ابن عباس : [ إنها ] الكشوتا . وتقدير الآية : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك في الاسرا بك ، والشجرة الملعونة في القرآن ، إلا فتنة للناس ، فكانت فتنة الرؤيا الارتداد ، وفتنة الشجر قول أبي جهل وأصحابه : يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة والنار تأكل الشجر . فزادت بذلك فتنة المشركين وبصيرة المؤمنين . وإنما قال الملعونة : وهي لم تلعن في القرآن على معنى الملعون آكلها . وقيل : إنما قيل ذلك : لأن العرب تقول : لكل طعم مكروه ملعون . ثم قال { وَنُخَوِّفُهُمْ } . أي نخوف هؤلاء المشركين ونتوعدهم بالعقوبات فما يزيدهم تخويفنا إلا طغياناً أي : تمادياً في كفرهم كبيراً لأنهم لما خوفوا بالنار التي طعامهم فيها الزقوم دعوا بالثمر / الزبد وقالوا تزقموا من هذا الزقوم . ثم قال : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ } . المعنى : واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، فسجدوا إلا إبليس حسد آدم ، وسخر منه ، وقال : لا أسجد لمن خلقته من طين ، وأنا مخلوق من نار . والنار تأكل الطين . قال ابن عباس : بعث رب العالمين إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم [ صلى الله عليه وسلم ] . فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى الجنة ، وإن كان ابن كافرين ، وكل شيء خلقه من ملحها ، فهوى صائر إلى النار ، وإن كان ابن نبيين .