Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 29-31)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } إلى قوله : { مُرْتَفَقاً } . المعنى : أن الله جل ذكره أمر نبيّه عليه السلام أن يقول لمن تقدم ذكره في قوله { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [ الكهف : 28 ] الحق من ربكم أي الهدى والتوفيق والخذلان من عند الله يهدي من يشاء فيوفقه فيؤمن ، ويضل من يشاء فيخذله فيكفر ، وليس إلي من ذلك شيء ، ولست بطارد لهواكم من وفقه الله [ عز وجل ] فآمن ، فإن شئتم فاكفروا وإن شئتم فآمنوا . فإن كفرتم فقد أعد لكم [ ربكم ] ناراً أحاط [ بهم ] سرادقها . وقوله { فَلْيُؤْمِن } و { فَلْيَكْفُرْ } لفظه لفظ الأمر ومعناه التهدد والوعيد . ومثله { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ } [ هود : 65 ] وقوله : { وَلِيَتَمَتَّعُواْ } [ العنكبوت : 66 ] وشبهه كثير . والأمر من الله [ عز وجل ] على أقسام : فمنه ما معناه الإيجاب والإلزام نحو { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ } [ المائدة : 6 ] الآية ، وشبهه . فهذا لا بد من فعله ويأثم من تركه ، ويكفر إن عاند في تركه . ومنه ما معناه التأديب والإرشاد نحو قوله : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] وقوله : { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] وفيه اختلاف . فهذا لا يخرج المأمور بتركه إلى إثم . وإن تأدب به وعمله فقد أحسن ، إذ قد اتبع ما ندبه الله [ عز وجل ] إليه . ومنه ما معناه الاباحة [ والاطلاق نحو قوله : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } [ المائدة : 2 ] وقوله : ] { فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الجمعة : 10 ] { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 222 ] فهذا إن شاء [ فعله ، وإن شاء ] لم يفعله ، ولا يشكر على فعله ، ولا يندم على تركه . ومنه / ما معناه الحتم والتكوين والإحداث نحو قوله : { كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] وقوله : { كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ويس : 82 ] فهذا تكوين وإحداث . ويوجد المأمور فيه مع الأمر ولا يتقدم ولا يتأخر . وكل أوامر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على هذه الأقسام تأتي إلا التكوين والإحداث فليس يكون إلا لله عز وجل ، غير أنه قد يكون ذلك على أيدي أنبيائه دلالة على صدقهم . كقول نبينا صلى الله عليه وسلم لشجرة دعاها : " أقبلي " فأقبلت تجري عروقها وأغصانها حتى وقفت بين يديه ، ثم قال : لها : " ارجعي " فرجعت إلى مكانها ، وشبهه كثير . وهذه الأوامر إنما يميز الواجب منها [ من غيره ] بالبراهين والدلائل والتوقيف لا غير . وقوله : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } . قال : ابن زيد : هو حائط من نار يحيط بهم كسرادق الفسطاط ، وقاله ابن عباس . وقال : معمر : هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الذي قال : الله : [ عز وجل ] { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } [ المرسلات : 30 ] . وقيل هو البحر المحيط الذي في الدنيا ، أي : أحاط بهم سرادق الدنيا أي : بحرها المحيط . وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال : " البحر هو جهنم وتلا هذه الآية . وقال : لا أدخله أبداً وما دمت حياً ، ولا تصيبني منه قطرة " فيكون معناها أحاط بهم أي عمهم . وروى [ عنه ] أبو سعيد الخدري أنه قال : " سرادق النار أربع جدر ، كتف كل واحد منها مسيرة أربعين سنة " . ثم قال : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } . أي إن يستغيثوا من العطش يغاثوا بماء كالمهل أي " كعكر الزيت . فإذا قربه من فمه سقطت فروة وجهه فيه " كذا رواه الخدري عن النبي عليه السلام . وعن ابن مسعود : أن المهل هو كفضة وذهب أذيبا واختلطا . وقال : مجاهد : " كالمهل " كالقيح والدم الأسود إذا اختلطا . وقال : ابن عباس : المهل ماء غليظ مثل دُرَدَيّ الزيت . وقال : الضحاك : المهل ماء جهنم أسود ، وهي سوداء ، وشجرها أسود وأهلها سود . وقال : ابن جبير : المهل الذي قد انتهى حره . وقيل : المهل عكر القطران . وعن النبي عليه السلام أنه قال : " المهل صديد أهل جهنم إذا دني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ولحم وجهه من حره " . والمهل عند أهل اللغة : كل شيء أذبته من رصاص أو نحاس ونحوه . ثم قال : { يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } . وقال : ابن جبير : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم فيأكلون منها فاختلست جلودهم ووجوههم . فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم . فيتضاعف عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل . فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حره لحوم / وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود . وقوله : { بِئْسَ ٱلشَّرَابُ } . أي بئس الشراب هذا الذي يغاث به هؤلاء القوم . وقوله : { وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } . أي ساءت هذه النار التي أعدت لهؤلاء الظالمين : { مُرْتَفَقاً } أي متكئاً . والمرتفق في كلام العرب المتكا . يقال : ارتفقت أي : اتكأت … وقال : مجاهد " مرتفقاً " مجمتعاً " وهو مفتعل من الرفق . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ [ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ] } إلى قوله : { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } . أي [ إن ] الذين صدقوا محمداً [ صلى الله عليه وسلم ] وما أتى به وعملوا بما جاءهم [ به ] لا نضيع ثواب من أحسن عملاً . وخبر إن الأول قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } على تقدير من أحسن عملاً منهم . وحذفت " منهم " لأن الله قد أخبرنا أنه محبط عمل غير المؤمنين . وقيل التقدير : إنا لا نضيع أجرهم . وقيل : الخبر أولئك لهم جنات عدن . وروي " أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات على ناقته الصهباء عن قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ } الآية . فقال : النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " يا أعرابي : ما أنت منهم وما هم منك ببعيد . هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف معي : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . فاعلم قومك أن هذه الآية نزلت في هؤلاء الأربعة " " . ولا تقف على { عَمَلاً } إن جعلت الخبر { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } وإن جعلت الخبر : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } وقفت عليه . ثم قال : تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } . أي جنات إقامة لا زوال منها . { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } أي من دونهم الأنهار . كما يقال : داري تحت دارك ، أي دونها . وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كعباً . فقال : [ له ] : إني سمعت الله [ عز وجل ] يذكر جنات عدن ، فما عدن ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل . فقال : عمر : أما النبوة فقد جعلها [ الله عز وجل ] في أهلها ، وأما الصديق فوالله إني لأرجو أن [ أكون ] قد صدقت بالله [ عز وجل ] وبرسوله ، وأما الحكم العدل فوالله إني لأرجو أن أكون ما فرقت في حكم أحداً ، وأما الشهادة فأنّى لي بالشهادة ؟ قال : الحسن فجمعهن الله [ عز وجل ] والله له ثلاثتهن . فجعله : صديقاً ، حكماً عدلاً ، شهيداً . وقوله : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } . أساور جمع [ أسورة ، وأسورة جمع ] سِوار وسُوار يقال : بالضم والكسر . وحكى قطرب إسوار . وإن أساور جمع أسوار على حذف الياء لأن أصله أساوير على هذا . والمعروف أن إسوار واحد أساورة الفرس . وقوله : { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } . قال : الكسائي : السندس جمع سندسة . وقال : واحد العبقري عبقرية وواحد الرفرف : رفرفة ، وواحد الأرائك : / أريكة . والسندس ما رقَّ من الديباج ، والإستبرق ما ثخن منه وغلظ . والأرائك السور في الحجال ، وقيل : هي الفرش في الحجال . ثم قال : { نِعْمَ ٱلثَّوَابُ } أي نعم الثواب [ في ] جنات عدن وما وصف فيها لمن ذكر . { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } أي حسنت هذه الأرائك والجنات التي وصف الله [ عز وجل ] في هذه الآية { مُرْتَفَقاً } أي متكئاً .