Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 6-9)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ } إلى قوله : { كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } . أي : فلعلك يا محمد قاتل نفسك على آثار قومك الذين قالوا : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [ الإسراء : 90 ] تمرداً منهم على ربهم { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } أي : بهذا الكتاب { أَسَفاً } وقال : قتادة : " أسفاً " غضباً وقال : مجاهد : " حزناً " . فهذا عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم من الله [ عز وجل ] على حزنه على قومه إذ لم يؤمنوا . فمعنى أسفاً حزناً . وقيل معناه : جزعاً ، قاله مجاهد . وقال : قتادة : معناه غضباً ، ومنه قوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا } [ الزخرف : 55 ] . ثم قال : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } . يعني : من الشجر والثمر والمال زين الأرض بذلك . { لِنَبْلُوَهُمْ } . أي : لنختبرهم من هو أحسن عملاً من غيره . قال سفيان الثوري : أيكم أزهد في الدنيا . وقال مجاهد : ما على الأرض من شيء هو زينة لها . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء " . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : " الزينة " : الخلفاء ، والعلماء ، والأمراء . وروى ابن جبير عنه أنه قال : " الزينة " : الرجال . جعل " ما " بمعنى / : من في القولين جميعاً ، وكون " ما " بمعنى : " من " يصلح في مواضع الإبهام ويقبح عند الاختصاص وذهاب العموم . وقيل المعنى : إنا جعلنا بعض ما على الأرض زينة لها ، فأوقع الكل موضع البعض ، لأن على الأرض ما لا زينة فيه . وقيل : بل هو عام . كل ما على الأرض زينة لها لدلالته على خالقه . ثم قال : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } . أي : وإنا لمخربوها بعد زينتها وعمارتها . يعني بذلك يوم القيامة ، تصير الأرض مستوية لا جبل فيها ولا واد ولا أكمة ولا ماء ولا نبات . والصعيد وجه الأرض . والجرز الذي لا نبات فيه من الأرض ولا زرع ولا غرس . وقيل : الصعيد هنا المستوي بوجه الأرض ، قال ابن عباس معناه : أنه يهلك كل شيء عليها ويبيد . وهذه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم يقول له تعالى ذكره : لا تقتل نفسك إذ لم يؤمنوا بما جئتهم به فإن مصيرهم إلي فأجازيهم بأعمالهم . فإني مهلك كل من على وجه الأرض . قال : ابن زيد : الصعيد : المستوي ، دل على ذلك قوله : { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 107 ] . والجرز : الأرض التي لا نبات فيها ولا منفعة ، ألم تر إلى قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ [ ٱلْجُرُزِ ] } [ السجدة : 27 ] أي الأرض التي لا نبات فيها . حكى سيبويه : جرزت الأرض فهي مجروزة ، وجرزها الجراد والنعم . وأرضون أجراز : إذا كانت لا شيء فيها . ويقال : للسنة المجدبة جرز وسنون إجراز . ثم قال : تعالى ذكره : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } . أم : هنا بمعنى : بل . [ والمعنى ] أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً . فإن ما خلقت من السماوات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب من أصحاب الكهف . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الخلق كلهم . وقال مجاهد : معنى الكلام : هم عجب وليس هو على طريقة الإنكار عنده . وقال قتادة : معناه : قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك . وعن ابن عباس أن المعنى : أم حسبت أن هؤلاء عجباً ، فإن الذي أتيتك من الكتاب والحكمة والعلم أفضل من شأن أهل الكهف والرقيم . وهذا مما عَلَّمَتْ اليهود قريشاً أن يسألوا عنه محمداً صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك . فأخبره الله بقصصهم . وخبرهم بعد أن أبطأ عنه الوحي في ذلك خمس عشرة ليلة ، وقيل : أكثر . والكهف : كهف الجبل ، آوى إليه القوم الذين قص الله [ عز وجل ] خبرهم في هذه السورة . وقال : الضحاك : الكهف الغار في الوادي . وقال ابن مالك : الكهف : الجبل . و " الرقيم " : عند عكرمة وابن عباس فيما حكيا عن كعب : القرية وقال : قتادة : " الرقيم " الوادي الذي فيه اصحاب الكهف ، وقاله عطية العوفي . وعن ابن عباس : " الرقيم " الكتاب . وقال عكرمة : الرقيم القرية اسم لها . وقال : [ ابن ] جبير / " الرقيم " : لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف . وقال ابن زيد : " الرقيم " : كتاب ، ولذلك الكتاب خبر ، فلم يخبرنا الله [ عز وجل ] عن ذلك الكتاب وعن ما بناؤه ، وقرأ : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ المطففين : 19 - 21 ] { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 8 - 9 ] . وعن ابن عباس أيضاً أن " الرقيم " : الجبل الذي فيه الكهف ، وعن ابن عباس أن " الرقيم " : كتاب كتبه رجلان صالحان كانا في بيت الملك الذي فرّ منه الفتية أصحاب الكهف ، كانا يكتمان إيمانهما . فلما سد الكهف على الفتية كتبا شأن الفتية وخبرهم في لوحين من رصاص . ثم جعلاه في تابوت على المكان الذي سدّ به باب الكهف . وقالا : لعل الله يطلع على هؤلاء الفتية قوماً صالحين فيعلمون شأنهم . وقد روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : القرآن أعلمه إلا { حَنَاناً } [ مريم : 13 ] و { لأَوَّاهٌ } [ التوبة : 114 ] و { ٱلرَّقِيمِ } [ الكهف : 9 ] و { غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] . وقال أنس : بن مالك : " الرقيم " : آية الكلب وقال عكرمة : الرقيم الرواة . وقال السدي : هو الصخرة ، وقال الفراء : الرقيم لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم ومما هربوا .