Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 85-88)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال : الله تعالى ذكره : { فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } إلى قوله : { مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } . من خفف " أَتْبَع " وقطع الألف جعله من : اتبع ، إذا سار ولم يلحق المتبوع في خير أو شر ، حكاه الأصمعي . ومن وصل الألف و [ شدد ] جعله من اتبعه ، إذا لحقه . ومن الأول { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } [ الشعراء : 60 ] . وقيل : هما لغتان بمعنى ، يقع بهما اللحاق وقد لا يقع ، وهو الصواب إن شاء الله لقوله { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } [ الأعراف : 175 ] فلو لم يلحقه ما غوى ، ولقوله { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 10 ] فهذا قد يلحقه وقد لا يلحقه . ومعنى { سَبَباً } في هذا الموضع طريقاً ومنزلاً . قاله ابن عباس . وقال : مجاهد : منزلاً وطريقاً بين المشرق والمغرب . وقال : قتادة : اتبع منازل الأرض ومعالمها . وقال : الضحاك { سَبَباً } المنازل . وقال : ابن زيد : هذه الآن الطريق كما قال : فرعون { لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } [ غافر : 36 ] أي : الطرق إلى السماوات . ثم قال : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } . قال : ابن عباس : في طين أسود حمأ ، وقاله عطاء . وقال : مجاهد في طينة سوداء ثأط . وهي فَعلَة من قولهم : حمأت البير تحمى حمأة . وهي الطين المنتن المتغير اللون والطعم . ومن قرأ " حامية " فمعناه حارة ، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال : " في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله جل ذكره . لأحرقت ما على وجه الأرض " . وقال أبو ذر : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار ، والشمس عند غروبها . فقال : " يا أبا ذر هل تدري أين تغرب هذه ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : إنها تغرب في عين حامية " . فهذا حجة لمن قرأها كذلك . ويجوز ان يكون بمعنى حمئة أي ذات حماة ولكن خففت الهمزة فأبدلوا منها ياء لانكسار ما قبلها . وقال : أبو حاضر : سمعت ابن عباس يقول : كنت عند معاوية فقرأ : { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } فقلت : ما أقرأها إلا " حمئة " فقال : لعبد الله بن عمر : كيف تقرأها يا عبد الله بن عمر ؟ فقال : كما قرأتها يا أمير المؤمنين . فقلت : في بيتي أنزل القرآن . فأرسل معاوية إلى كعب . فقال : أين تجد الشمس تغرب في التوراة ؟ فقال : أما في العربية فأنتم أعلم بها ، وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب . فقال : أبو حاضر : فقلت لابن عباس : لو كنت عندك لرفدتك بكلمة تزداد بها بصيرة في " حمئة " وقال : ابن عباس : ما هي ؟ قلت : فيما يؤثر من قول تُبع ذكر فيه ذو القرنين : @ بَلَغَ المشارق والمغارب يبتغي أسباب أمر من حَكِيم مُرشد @@ قال : عمر [ و ] نحن نتبع . @ فرأى مغارب الشمس عند غروبها في عين ذي خُلُبٍ وَثَأْطٍ حَرْمِدِ @@ فقال : ابن عباس ما الخُلب ؟ فقلت : الطين بكلامهم . وقال : ما الثأط ؟ قلت الحمأة ، قال : [ وما ] الحُرْمَد ؟ قلت : الأسود يقال : حمئت البير صارت فيها الحمأة . واحمأتها : ألقيت فيها الحماة وحماتها إذا أخرجت منها الحماة . وأجاز القتبي أن تكون هذه العين في البحر ، والشمس تغيب وراءها . ثم قال : { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } . أي : عند العين ، قيل يقال : لهم تاسك . { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } ، أي قال له أصحابه المؤمنون يا ذا القرنين إما أن تقتلهم وإما أن تستبقيهم . وقيل المعنى إما أن تقتلهم إذ هم لم يدخلوا في الاقرار بتوحيد الله [ عز وجل ] وطاعته [ جلت عظمته ] ، { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } ، أي : تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد . و " إما " في هذا للتخيير عند المبرد بمنزلة قوله : { فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ المائدة : 42 ] و " ان " في قوله { إِمَّآ أَن } في موضع نصب . وقيل : موضع رفع على معنى أما هو . ثم قال : { أَمَّا مَن ظَلَمَ } أي : من كفر ولم يؤمن { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } أي : نقتله ، قاله قتادة { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } ، أي : يرجع إلى ربه في الآخرة فيعذبه عذاباً نكراً من عذاب الدنيا وهو عذاب جهنم . قال : علي بن سليمان { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } معناه : قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين إما أن تعذب . ثم حذف القول ، لأن ذا القرنين لم يصح أنه نبي فيخاطبه الله . ولأن بعده { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً } وكيف يخاطب العبد ربه بلفظ الغيبة . وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يكون خاطبه الله [ عز وجل ] على لسان نبي في وقته . فيكون تحقيق المعنى على ما قاله أبو إسحاق الزجاج : أن الله خيره بين القتل والاستبقاء ، ثم قال : هؤلاء اولئك القوم مخبراً لهم عن حكمه فيهم : { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ [ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ ] } الآية . ثم قال : { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } . من رفع " جزاء " ولم ينون رفع بالابتداء وله الخبر ، والحسنى في موضع خفض بالاضافة . ويجوز أن يكون الحسنى بدلاً من جزاء ويكون حذف التنوين من جزاء لالتقاء الساكنين . وكذلك التقدير في قراءة من نون ورفع وهي رواية الأعمش عن أبي بكر . وبها قرأ ابن أبي إسحاق . ومن نون ونصب جعله مصدراً . وقيل : هو مصدر في موضع الحال . وقيل : نصب على التمييز . ومن نصب ولم ينون فعلى هذه التقديرات أيضاً إلا أنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهي قراءة ابن عباس ومسروق . ومعنى الآية : وأما من صدق الله [ عز وجل ] ، وعمل بطاعته [ سبحانه ] فله عند الله الحسنى وهي الجنة ، { جَزَآءً } أي : ثواباً على إيمانه . ومعنى { جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } في قراءة من أضاف ، أن الحسنى الجنة ، ولكن جعله مثل { دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } [ البينة : 5 ] { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [ يوسف : 109 ] . وقوله : { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } . أي : قولاً جميلاً . وقيل : المعنى وسنعلمه نحن في الدنيا ما تيسر له تعليمه مما يقربه إلى الله [ سبحانه ] ونلين له من القول . وقال مجاهد : " يسراً " معروفاً .