Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 89-95)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } إلى قوله : { وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } . المعنى : ثم اتبع طرقاً ومنازل . أي طلب زيادة في العلم يخلق الله [ عز وجل ] وعجائبه [ سبحانه ] وقيل المعنى : اتبع سبباً آخر يبلغه إلى قطر من أقطار الأرض { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ / ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } أي : لا جبل في أرضهم ولا شجر يسترهم من الشمس بظله ولا يحمل بلدهم بناء فيسكنون البيوت وإنما يغورون في المياه ويتسربون في الاسراب ، قال : ذلك الحسن ، وقتادة . وقال : ابن جريج : جاءهم جيش فقال : لهم أهلها : لا تطلع عليكم الشمس وأنتم بها فقالوا ، لا نبرح حتى تطلع الشمس ، ما هذه العظام ؟ قالوا جيف جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فهربوا فذهبوا هاربين في الأرض . قال : ابن جريج : لم يبنوا فيها بناء قط ، وكانوا إذا طلعت الشمس دخلوا اسراباً لهم حتى تزول الشمس ودخلوا البحر وليس في أرضهم جبل . قال : قتادة : كانوا في مكان لا يستقر فيه البناء ، ويكونوا في أسراب إذا طلعت الشمس حتى إذا زالت خرجوا إلى معائشهم . وقال : الحسن : كانوا إذا طلعت الشمس عليهم يغورون في المياه ، فإذا غربت الشمس خرجوا كما ترعى البهائم . وقال : قتادة يقال : لهم الزنج . وقوله : " كذلك " الكاف في موضع خفض أي قوم { لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } مثل ذلك القبيل الذي عند مغرب الشمس . وقيل : هي في موضع نصب نعت لسسبب أي ثم اتبع سبباً مثل اتباعه الأول : أو نعت لمصدر تطلع أي تطلع طلوعاً مثل غروبها وفيه بعد . ويجوز أن يكون المعنى لم نجعل لهم من دونها ستراً كذلك ، أي مثل أولئك الذين وجدهم في غروب الشمس . فقيل له إما أن تعذب وإما ان تتخذ فيهم حسناً فقال : فيهم مثل قوله الأول . فالمعنى وكان شأنه مع هؤلاء كشأنه مع الذين [ وجدهم ] عند غروب الشمس . وحذف الجملة لدلالة كذلك عليها . وقيل : هي في موضع رفع على معنى : " الأمر كذلك " ، أو على معنى حكمهم مثل حكم أولئك الذين تغرب عليهم الشمس . والوقف على " كذلك " حسن في هذا الوجه . ثم قال : { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } . أي : بما عند مطلع الشمس علماً لا يخفى علينا من أحوالهم وأحوال غيرهم شيء . ثم قال : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } . أي : اتبع طرقاً ومنازل { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } ، أي بين الجبلين . قال : عكرمة : ما كان من صنعة بني آدم فهو " السَّد " بالفتح وما كان من صنع الله [ عز وجل ] فهو " السُّد " بالضم . ولذلك قال : أبو عبيدة وقطرب والفراء . وقال : أبو عمر [ و ] " السَّد " بالفتح هو الحاجز بينك وبين الشيء . والسُّد بالضم هو ما كان من غشاوة بالعين . وقال : أبو عمر [ و ] تميم تجعله كله سواء . وقال ابن [ أبي ] إسحاق : السد بالفتح ما لم تره عيناك ، وبالضم ما رأته عيناك . وقال : الكسائي هما لغتان : بمعنى واحد . وقال المبرد : " السد " بالفتح المصدر وبالضم الاسم ، وهو قول الخليل وسيبويه . ثم قال : { وَجَدَ / مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } . أي : لا يكادون يفقهون ما يقال : لهم . ومن قرأ [ يفقهون ] بضم الياء . قدر حذف مفعول ، فمعناه لا يكادون يفقهون احداً قولهم . يقال : فَقِه يفقه إذا فهم . وأَفْقَه " غيره إذا أفهمه . وفقُه يفقُه إذا صار فقيهاً . والسدان جبلان ، سد ما بينهما بردم ليقطع أذى ياجوج ومأجوج وهم من وراء ذلك ، قال : ابن عباس : والجبلان أرمينية وأذربيجان . ثم قال : { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } . أي : قالوا بلغتهم [ أو ] أومؤوا إليه بذلك ففهم عنهم . ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان معرفتان فلذلك لا تنصرف . ولذلك ترك همزه من [ رأى ] ذلك ، لأن الأعجمي غير مشتق . فأما من همزه فإنه جعله عربياً مشتقاً من اجت النار ، ولكن لم ينصرف لأنه اسم للقبيلة وهو معرفة ، وقال : الكسائي : من همزه جعله من أجيج النار يفعول ومفعول ، ويجوز أن يكون من ترك حمزه أخذه أيضاً من هذا وسهل الهمزة على القياس فأبدل منها ألفاً ، ذكر سعيد بن عبد العزيز : أن إفسادهم في أنهم كانوا يأكلون الناس . قال : محمد بن إسحاق : حدثني من لا اتهم عن وهب بن منبه اليماني ، وكان له علم بالأحاديث الأولى ، أنه كان يقول : ذو القرنين رجل من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره . وكان اسمه الاسكندر وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، فلما بلغ وكان عبداً صالحاً ، قال : الله : يا ذا القرنين إني باعثك إلى امم الأرض وهي أمم مختلفة ألسنتها وهم جميع أهل الأرض منهم أمتان بينهما طول الأرض [ كله ] . ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض [ كله ] . وأمم في وسط الأرض ومنهم الجن والانس ويأجوج ومأجوج . فأما اللتان بينهما طول الأرض فامة عند مغرب الشمس يقال : لها ناسك وأما الأخرى فعند مطلع الشمس يقال : لها منسك . وأما اللتان بينهما عرض الأرض فاقة في بطن الأرض الأيمن يقال لها هاويل ، وأما الأخرى التي في بطن الأرض الأيسر ، فيقال : لها راويل ، ثم مضى في الحديث بطوله . وقال : في بعض الحديث : فلما كان في بعض الطريق مما يلي منطقع الترك نحو المشرق قالت له أمة من الانس صالحة : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً من خلق الله كثير فيهم مشابهة من الإنس . وهم أشباه البهائم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحوش كما تفترس السباع ، ويأكلون خشاش الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق في الأرض . وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم . [ فإن كانت ] لهم مدة على ما ترى من نمائهم وزيادتهم فلا شك أنهم سيملئون [ الأرض ] ويأكلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها . وليست تمر بنا سنة / منذ جاورناهم إلا ونحن نتوقعهم وننتظر ان يطلع علينا أوائلهم من بين هذين الجبلين { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } أي حاجزاً { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أي : ما أعطاني من القوة والتدبير والتيسير في الأمور خير مما تعطوني من أموالكم ولكن أعينوني بقوة أي برجال يعملون معي : أعدوا لي الصخور والحديد والنحاس حتى ارتاد بلادهم ، وأعلم علمهم ، وأقيس ما بين جبليهم . ثم انطلق يؤمهم حتى وقع إليهم وتوسط بلادهم . فوجدهم على مقد [ ا ] ر واحد ذكرهم وأنثاهم يبلغ طول أحدهم مثل نصف طول الرجل المربوع منا . لهم مخاليب في مواضع الأظفار من أيدينا . وأضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها ، وأحناك [ كأحناك ] الابل قوة . تسمع لهم حركة إذا أكلوا كحركة الجرة من الإبل ، أو كقضم البغل المسن . ولهم هلب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ، و [ ما ] يتقون به الحر والبرد ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، إحداهما وبرة ظهرها وبطنها ، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها . تسعانه إذا لبسهما يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى . يصيف في أحدهما ويشتي في الأخرى . ليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه وينقطع عمره . وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد ولا تموت أنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد . فإذا كان ذلك أيقن بالموت . وهم يرزقون التنين في أيام الربيع ويستمطرونه إذا تحينوه . كما يستمطر المطر بحينه فيقدرون منه كل سنة . فيأكلون عامهم كله إلى مثلها من القابلة . فيغنيهم على كثرتهم ونمائهم . فإذا أمطروه أخصبوه وعاشوا وسمنوا عليه ورؤي أثره عليهم . فدرت عليهم الاناث ، وشبعت منه الرجال . وإذا أخطاهم هزلوا وجفرت الذكور ، وحالت الاناث ، وتبين أثر ذلك عليهم . وهم يتداعون تداعي الحمام ، ويعوون عوي الذئاب ، ويتسافدون حيث التقوا تسافد البهائم . ثم لما عاين ذلك منهم ذو القرنين انصرف إلى ناحية الصدفين فقاس ما بينهما وهو في منطقع أثر الترك مما يلي مشرق الشمس فوجد بُعْدَما بينهما مائة فرسخ ، فلما أنشأ عمله حفر له اسما حتى بلغ الماء . ثم جعل عرضه خمسين فرسخاً . وجعل حشوه الصخور ، وطينه النحاس ، يداب ثم يصب عليه . فصار كأنه عرف من جبل تحت الأرض . ثم علاه وشرفه بزبر الحديث والنحاس المذاب . ثم جعل خلاله عرفاً من نحاس اصفر . [ فصار ] كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد . فلما فرغ منه و [ أ ] حكمه انطلق عامداً إلى جماعة الجن والإنس . فسار حتى وصل إلى قوم يونس [ وهم ] أمة / صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون . يقتسمون بالسوية ، ويحكمون بالعدل ، ويتواسون ويتراحمون . حالهم واحدة . وكلمتهم واحدة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم متآلفة . وسيرتهم مستوية ، وقبورهم بأبواب بيوتهم . وليس على بيوتهم أبواب ولا عليهم امراء ثم اتى خبر يونس بطوله . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال : الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غداً . فيعيده الله كأشد ما كان . فإذا بلغت مدتهم حفروا ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس فقال : الذي عليهم : ارجعوا فستفتحون غداً إن شاء الله ، فيقدمون عليه وهو كهيئته حين تركوه . فيخرجون على الناس فيشربون المياه ، ويتحصن الناس في حصونهم . فيرمون بسهامهم . فيرجع فيها كهيئة الدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفاً في أعناقهم فيقتلونهم فقال : النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتَشْكَرُ شكراً من لحومهم " " . وروى أبو سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يفتح يأجوج ومأجوج ويخرجون على الناس كما قال : الله : { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } فيغشون الأرض . وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ويضمون إليهم مواشيهم . فيشربون مياه الأرض حتى [ إن ] بعضهم ليمر بالنهر فيشربه جميعه حتى يتركوه يابساً . وحتى إن من بعده ليمر بذلك النهر فيقول : لقد كان ها هنا ماء مرة حتى إذا لم يبق أحد إلا أحداً في حصن أو في مدينة قال : قائلهم : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم وبقي أهل السماء . قال : فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة . فبينما هم على ذلك بعث الله عليهم دوداً في اعناقهم كالنغف فتخرج في أعناقهم فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس . فيقول المسلمون ألا رجل يشري نفسه فينظر ما فعل هذا العدو . وقال : فينفرد رجل منهم بذلك محتسباً نفسه قد وطنها على أنه مقتول . فيجدهم موتى بعضهم فوق بعض . فينادي : يا معشر المسلمين ! ألا فأبشروا ، فإن الله قد كفاكم عدوكم . فيخرجون من مدائنهم وحصونهم فيسرحون بمواشيهم فما يكون لها رعي إلا لحومهم فتشكر عليهم أحسن ما شكرت على شيء من النبات " . قال : ابن وهب : وخبرت أن يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف ، صنف منهم طولهم كطول الأرز . وصنف طوله هو وعرضه سواء ، وصنف يفترش أحدهم أذنه ويغطي بالأخرى سائر جسده . ومعنى : { مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي سيفسدون ولم يكن لهم افساد بعد إنما خيف منهم ذلك وسيكون إذا خرجوا . قوله : { قَالَ مَا مَكَّنِّي / فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } إلى قوله : { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } . أي : الذي مكني فيه ربي خير في العمل الذي سألتموني من الحاجز بينكم وبين هؤلاء ، وقضاه لي وقواني عليه خير من جعلكم الذي عرضتم علي وأكثر وأطيب . ولكن أعينوني بقوة أي بعمل تعملونه معي { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } أي إن أعنتموني على ذلك . ذكر قتادة أن رجلاً قال : يا نبي الله إني رأيت سد يأجوج ومأجوج قال : انعته . قال : كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء ، قال : قد رأيته .