Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 10-15)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } . إلى قوله : { وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } . أي : اجعل لي علامة على وقت الهبة ، ودليلاً على أن ما بشرتني به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك ، ومتى يكون . قال ابن زيد : " اجعل لي آية أن هذا منك " ، وكذا قال السدي . { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } . أي : علامة ذلك وصحته أنك لا تكلم الناس ثلاث ليال ، بلا علة بك من خرس ولا مرض يمنعك الكلام . قال ابن عباس : " اعتقل لسانه من غير مرض " . وقال مجاهد : " سوياً " : صحيحاً لا يمنعك من الكلام مرض " . وقال قتادة : " سوياً " : من غير خرس ولا بأس ، إنما عوقب إذ سأل آية بعد مشافهته الملائكة بذلك ، أخذ لسانه حتى كان يوميء إيماءً " . قال ابن زيد : " حبس لسانه فكان لا يستطيع أن يكلم أحداً ، وهو في ذلك يسبح ويقرأ التوراة ، فإذا أراد كلام الناس ، لم يستطع [ أن ] يكلمهم . وكذلك قال السدي . وقيل : المعنى ، ثلاث ليال متتابعات . فسوياً من نعت الليالي . وعلى القول الأول يكون " سوياً " حالاً من المخاطب . والتقدير فيه التقديم . أي : آيتك ألا تكلم الناس سوياً ثلاث ليال . ثم قال تعالى : { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ } . أي : فخرج زكريا على قومه من مصلاه الذي جلس فيه حين حبس لسانه عن كلام الناس . وقال ابن جريج : معناه ، أشرف على قومه من المحراب والمحراب عند أهل اللغة ، مكان مرتفع . وقوله : { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } . أي : أوحى إليهم ، قاله قتادة وقال الضحاك : " كتب لهم . وقال مجاهد ووهب بن منبه : " أشار إليهم أن سبحوا بكرة وعشياً " ، أي : صلوا بكرة وعشياً . والصلاة تسمى سبحة . وقيل : " أمرهم بالتسبيح بذكر الله طرفي النهار " . وهذا يدل على أن الإشارة ليست بكلام . يقال : أوحى ووحى . وأومى وومى . ثم قال : { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } . والتقدير : قوله له يحيى ، فقال الله تعالى له : " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " أي بجد وعزم . قاله قتادة ومجاهد . وقال ابن زيد : " القوة : أن يعمل ما أمره الله ويجتنب ما نهاه عنه " . ثم قال : { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } . أي : أعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه . قال معمر : " بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ، فقال أللعب خُلقت ؟ فأنزل الله تعالى : { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } . قال قتادة : " كان ابن سنتين أو ثلاث " . قال مالك : " بلغني أن يحيى بن زكريا ، إنما قتل في امرأة ، وأن بخت نصر لما دخل بيت المقدس بعد زمان طويل وجد دمه يفور لا يطرح عليه تراب ولا شيء إلا فار وعلا عليه ، فلما رآه دعا بني إسرائيل فسألهم فقالوا لا علم لنا / هكذا وجدناه ، وأخبرنا به آباؤنا عن آبائهم أنهم هكذا وجدوه . قال بخت نصر : هذا دم مظلوم ، لأقتلن عليه . فقتل [ عليه ] سبعين ألفاً من المسلمين والكفار فهدأ الدم بعد ذلك . وقوله تعالى : { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا } قال ابن عباس معناه : " ورحمة من عندنا " ، وهو قول عكرمة وقتادة والضحاك . وقيل معناه : ورحمة من عندنا لزكريا ، آتيناه الحكم وفعلنا به ما فعلنا ، روي ذلك عن قتادة . وقال مجاهد : " معناه ، وتعطفاً من عندنا عليه فعلنا ذلك " . وقال ابن زيد : " معناه ، ومحبة له من عندنا " ، روي ذلك أيضاً عن عكرمة . وعن عطاء أن معناه : " وتعظيماً من عندنا له " . وقيل معناه آتيناه رحمة بالعباد وتحنناً عليهم ليُخلصهم من الكفر إلى الإيمان . وعن ابن عباس أنه قال : لا أدري ما الحنان . وقاله عكرمة أيضاً مرة . وقول العرب " حنانيك " لغة في حنان ، وليس بتثنية . وأصل الحنان من قولهم : حن إلى كذا ، إذا ارتاح إليه . ويحن على فلان ، إذا تعطف عليه . والحنان مصدر من حننت أحن حنيناً وحناناً ، ومنه قيل لزوج الرجل حنته لتحننها عليه وتعطفها . وقوله : { وَزَكَاةً } قال قتادة : " العمل الصالح " . وقوله : { وَكَانَ تَقِيّاً } أي خائفاً مؤدياً فرائضه . قال ابن عباس : " طهر فلم يعمل بذنب ، فهو الزكاة " . وقوله : { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ } . أي : مسارعاً في طاعتهما غير عاق لهما " . { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً } . أي : متكبراً عن طاعة الله ، ولا عصياً لربه . ثم قال : { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ } . أي : أمان له من الشيطان حين وُلد فلم يُذنب ، ولا يأتي في الآخرة بذنب . وقوله : { وَيَوْمَ يَمُوتُ } أي : وأمان له من الله من فتاني القبر . { وَيَوْمَ يُبْعَثُ } . أي : وأمان له من العذاب يوم يبعث فلا يروعه شيء . قال ابن عيينة : " أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ، فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث ، فيرى نفسه في محشر عظيم . فخص الله تعالى يحيى بالأمان في هذه الثلاثة مواطن ، وهي الفضيلة التي فضل الله بها يحيى . وروي أن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا ، فقال عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني . وقال يحيى : استغفر لي ، أنت خير مني . فقال عيسى : أنت خير مني ؟ سلمتُ على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف الله فضلها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا يحيى بن زكرياء " . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يلقى الله عز وجل يوم القيامة إلا وأذنب إلا يحيى بن زكرياء ، ما أذنب ولا هم بامرأة " وهو قوله تعالى : { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ } ، أي أمان له وعصمة من الشيطان ألا يحمله على ذنب و " يوم يموت " من عذاب القبر " ، ويوم يبعث " من هول المحشر . وقد قيل : المعنى ، ورحمته ، وسلامته عليه يوم ولد ، وذلك تفضل من الله غير جزاء له على عمله ، إذ لم يعمل بعد شيئاً . وقوله : { وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } . هو جزاء من الله له بعمله وسعيه . وروى ابن وهب عن مالك بن أنس عن حميد بن قيس عن مجاهد ، أنه [ قال ] : كان طعام يحيى بن زكريا العشب ، وإن كان ليبكي من خشية الله ما لو كان القار على عينيه لحرقه . ولقد كان الدمع اتخذ مجرى في وجهه . قال أبو ادريس الخولاني : أطيب الناس طعاماً يحيى بن زكرياء . إنما كان يأكل مع الوحش كراهة أن يخالط الناس في معايشهم . قال ابن وهب أن ابن شهاب قال : كان يحيى ابن خالة عيسى وكان أكبر من عيسى بيسير .