Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 16-20)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ } إلى قوله : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } . والمعنى : واذكر يا محمد في الكتاب الذي أنزل إليك مريم حين اعتزلت من أهلها ، وانفردت في مكان شرقي ، أي في شرقي المحراب . وقال السدي : " خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها " . وقال قتادة : " شرقياً " قبل المشرق شاسعاً " . وقيل : إنما صارت بمكان يلي المشرق ، لأن ما يلي المشرق عندهم كان خيراً مما يلي المغرب / . وقال ابن عباس : أظلها الله بالشمس ، وجعل لها منها حجاباً " . وهو قوله : { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } أي : ستراً يسترها عن الناس . ويروى أن مريم كانت في منزل زكرياء ، وكان زوج أختها ، وكان لها محراب تصلي فيه ، وكان زكرياء إذا خرج أغلق عليها الباب ، فآذاها يوماً القمل في رأسها فتمنت لو وجدت خلوة إلى الجبل تفلي فيه رأسها ، فانفرج لها السقف وخرجت والبيت مقفل في يوم شديد البرد ، فجلست في شرفة من الشمس ، وأتى زكرياء فلم يجدها فبينما هي جالسة إذ أتاها جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة البشر في أحسن صورة شاب مقصص عليه البياض وعليه تاج مكلل بالدر والياقوت ، ومريم يومئذ بنت أربع عشرة سنة ، فلما أن رأت جبريل عليه السلام يصعد نحوها نادته { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } . أي إن كنت تتقي الله فكان من شأنها ما قصّ الله علينا . ثم قال تعالى : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } . قال قتادة وابن جريج ووهب بن منبه : هو جبريل صلى الله عليه وسلم . وقيل : الروح : عيسى ، لأنه روح الله وكلمته أَلقاها إلى مريم . وقيل : معناه ، فدخل الروح في مريم فتمثل لها بشراً سوياً . أي تمثل فيها ، يعني عيسى . قال أبي بن كعب : " كان روح عيسى بن مريم من الأرواح التي أخذ الله تعالى ذكره عليها الميثاق ، فأرسل ذلك الروح إلى مريم ، فدخل من فيها ، فحملت بعيسى عليه السلام " . والله أعلم بذلك كله . والصحيح أنه جبريل عليه السلام لقوله : " فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً " لأن عيسى بشر ، ومعناه فتشبه لها في صورة آدمي ، سوي الخلق ، معتدله . وإنما سمي جبريل صلى الله عليه وسلم روحاً ، لأنه يأتي بما يحيي به العباد من الوحي ، ولهذا سمي عيسى أيضاً روحاً ، وسمي القرآن روحاً . وقيل : إنما اعتزلت لتغتسل من الحيض . وقيل : لتخلو بالعبادة . ثم قال : { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } . المعنى : أن مريم خافت من جبريل لما رأته في هيئة آدمي . قال قتادة : " خشيت أن يكون يريدها على نفسها " . وقال السدي : " فزعت منه لما رأته ، فتعوذت بالرحمن واستجارت به منه " . ومعنى : { إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي : إن كنت ذا تقوى وخوف من الله ، تتقي محارمه . وقيل : المعنى : إني أستجير بالله منك إن كنت تتقي الله في استجارتي به منك . قال وهب بن منبه : " هو رجل من بني آدم معروف عندهم بالشر اسمه " تقي " . فـ " إن " على هذه الأقوال للشرط ، وما قبلها جواب للشرط . وقيل : { إِن كُنتَ تَقِيّاً } معناه : ما كنت . [ قوله ] : قَالَ : { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } . من قرأ بالهمز في لأَهَبَ ، فإنه أسند الفعل إلى جبريل صلى الله عليه وسلم ، إذ قد علم أن الهبة أصلها من الله . والتقدير : إنما أنا رسول ربك أرسلني لأهب لك . وقال أبو عبيد : التقدير في هذه القراءة : إنما أنا رسول ربك ، يقول لك : أرسلته إليك لأهب لك غلاماً . فأما من لم يهمز ، فيحتمل أن يكون على أحد هذين المعنيين المتقدم ذكرهما في الهمز ، لكن خففت الهمزة ، ويحتمل أن يكون في الكلام حذف تقديره : بعثني لِيَهَبَ لك . وكذا حكى أبو عمرو عن ابن عباس . و " الزكي " : الطاهر من الذنوب . { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } . أي : قالت مريم : من أي وجه يكون لي غلام ؟ أَمِنْ قبل زوج أرزقه منه ؟ أم يبتدئ الله خلقه ابتداء ، ولم يمسسني بشر من بني آدم بنكاح حلال . " ولمَ أكُ بَغيّاً " أي لم يمسسني أحد في حرام . قال السدي : [ { بَغِيّاً } زانية ] . و { بَغِيّاً } فعول . وفعول يقع للمؤنث والمذكر بغير هاء . كقولك : امرأة شكور ، ورجل شكور . ولا يجوز أن يكون " بغي " فعيلاً ، لأنه يلزم فيه دخول الهاء ككريمة ورحيمة . ولا يلزم ذلك في فعول . فدل حذف الهاء منه على أنه فعول ، وليس بفعيل . وأصله بغوى ، ثم وقع القلب والإدغام على الأصول المعروفة عند أهل العربية / .