Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 24-26)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي } إلى قوله : { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } . من قرأ " مَنْ تَحْتَهَا " بالفتح " أراد فناداها عيسى " . كذلك تأوله أُبي بن كعب والبراء بن عازب والنخعي ، وبذلك قرؤوا . ومن قرأ بكسر الميم والتاء ، أراد فناداها جبريل . كذلك قال ابن عباس والضحاك . وقال مجاهد : هو عيسى عليه السلام . قال الضحاك : كان جبريل صلى الله عليه وسلم أسفل منها ، فناداها من ذلك الموضع " ألاّ تحزني " . وقال أبو عبيد : من كسر الميم والتاء ، يجوز في قراءته أن يكون لجبريل ولعيسى عليهما السلام . ومن فتحهما ، هو لعيسى خاصة ، والاختيار عند أهل النظر في الكسر أن يكون لعيسى مثل الفتح ، أي : فناداها عيسى من تحتها . وقرئ بذلك لتقدم ذكر عيسى ولم يتقدم ذكر جبريل إلا فيما بعد ، عند قوله : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } فالحمل على الأقرب أولى من الأبعد . قال ابن زيد : قال لها عيسى : لا تحزني ، قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي لا ذات زوج ، فأقول من زوج ، ولا مملوكة فأقول من سيدي ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً . قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام . قال البراء : " السري " الجدول ، وهو النهر الصغير . وبذا قال ابن عباس وغيره ، وهو بالنبطية . وقال مجاهد : " السري " النهر بالسريانية . وقال قتادة : السري : عيسى نفسه . وكذا قال ابن زيد . أي : شخصاً سرياً . وقال الحسن : كان والله سرياً من الرجال ، يعني عيسى . فقيل له : يا أبا سعيد ، إنما هو الجدول النهر . فقال : يرحمك الله ، إنما تلتمس مجالستكم لهذا . وقوله : { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } . يدل على أنه النهر لقوله تعالى بعد ذلك { فَكُلِي وَٱشْرَبِي } فكلي من هذا الرطب واشربي من هذا الماء وقريّ عيناً بولدك . وقوله { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً } . من قرأ بالتاء ، رده على النخلة ومن قرأ بالياء ، رده على الجذع ، ومن شدد السين أدغم فيها إحدى التاءين ، ومن خفّف ، حذف إحدى التاءين كتظاهرون و " رطبا " منصوب على التمييز . وقال المبرد هو مفعول بهزي أي : وهزي إليك رطباً بجذع النخلة . وقرأه مسروق بن الأجدع " تُسقط " بتاء مضمومة . وحذف الألف فيكون على هذا " رطباً " مفعولاً به . وكذلك هو على قراءة عاصم " تساقط " على تفاعل . قيل : نصبه على التمييز . وقيل : هو مفعول بـ " هزي " . و { جَنِيّاً } نعت للرطب وهو فعيل بمعنى مفعول ، أي : رطباً مجنياً . والجني : الطري . " والرطب " يؤنث على معنى الجماعة ، ويذكر على معنى الجنس . وقال أبو وائل : لو علم الله شيئاً أطيب من الرطب لأطعمه مريم " . وقوله : { وَقَرِّي عَيْناً } هو من قررت بالمكان عند الشيباني ، أي : قري عيناً . وقيل : هو من قررت به عيناه مشتق من القر أي : بردت عيناً ، فلم تسخ بخروج الدمع . ولغة قريش قررت به عيناً أقر وقررت بالمكان أقر . وأهل نجد يقولون : قررت به عيناً أقر . ثم قال تعالى : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } . أي : " قال لها عيسى صلى الله عليه وسلم بعد قوله [ لها ] أنا أكفيك الكلام ، فإما ترين … الآية " . والظاهر أن يكون هذا الأمر من الله جلّ ذكره لها ، والله أعلم بذلك . فالمعنى : إن رأيت من بني آدم أحداً يسألك . فقولي : إني نذرت للرحمن صوماً . أي : أوجبت على نفسي للرحمن صوماً . أي : صمتاً : قاله ابن عباس والضحاك . وقال قتادة صامت من الطعام والشراب والكلام . وقال ابن زيد : كان في بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم / من الطعام إلا من ذكر الله عز وجل فقال لها ذلك . وأصل الصوم . الإمساك ، وإنما أمرها بالصوم عن الكلام لأنه خاف عليها ألا تكون لها حجة فيما جاءت به ، فأمرها بالكف عن الكلام ليكفيها ولدها الحجة عنها . ولا يحل لأحد أن ينذر ترك الكلام يوماً . وإنما جعل الله ذلك آية لمريم خاصة . وقد قيل : بل كانت ذلك اليوم صائمة عن الطعام والشراب ، فأذن لها ألا تكلم الناس ذلك اليوم . روى يزيد الرقاشي أن أنس بن مالك قال : إذ ولد عيسى أصبح كل صنم يعبد من دون الله خاراً على وجهه ، وأقبلت الشياطين إلى إبليس تضرب وجوهها لما حدث . ومعنى " فَقُولي " أي : أشيري إليهم بذلك ، لأنها لو كلمتهم بذلك لتناقض ما عقدت على نفسها من الصمت . وهذا يدل على أن القول قد يكون غير كلام ، وهو كثير في كلام العرب .