Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 27-32)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ } . إلى قوله : { جَبَّاراً شَقِيّاً } . المعنى : أن عيسى عليه السلام لما قال لها ذلك : اطمأنت وسلمت لأمر الله وحملته حتى أتت به قومها . قال السدي : " لما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل أن مريم قد ولدت ، فأقبلوا يشتدون ، فدعوها ، فأتت به قومها تحمله " . قالوا : { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } . أي : جئت بأمر عجيب وعظيم لم يسبق مثلك إلى مثله . روي أنها خرجت من عندهم ضحى ، وجاءت عند الظهر ومعها صبي تحمله فكان الحمل والولادة في ثلاث ساعات من النهار " . وكانت مريم قد حاضت قبل ذلك حيضتين لا غير . ثم قالوا لها : { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ } . أي يا أخت هارون في الصلاح والعبادة . قال قتادة : كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل ، يسمى هارون ، فشبهوها به . قال : وذكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفاً كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل سوى من ليس اسمه هارون . وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : هو هارون أخو موسى . فقال لها كعب : يا أم المؤمنين ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم ، وإلا فإني أجد بينهما ست مائة سنة ، فسكتت . وقيل : أريد بهارون هنا أخو موسى نسبت مريم إليه لأنها من ولده كما يقال للتميمي يا أخا تميم . قال ابن جبير : كان هارون منهم رجلاً فاسقاً ، فنسبوها إليه ، وقد غلط بعض المؤلفين في هذا فقال : كان لها أخ صالح يسمى بهارون . وما علمت أحداً من المفسرين وأهل التاريخ قال هذا . " وقال المغيرة بن شعبة : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا : ألستم تقرأون يا أخت هارون ؟ قلت : بلى ، قالوا : وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى ؟ قال : فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فأخبرته ، فقال : ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " . فهذا يدل على أن هارون المذكور في الآية كان رجلاً صالحاً وكانوا يسمون أولادهم بهارون لمحبتهم في ذلك الصالح الذي كان اسمه هارون . وقوله : { مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ } . أي : ما كان أبوك رجل سوء فيأتي الفواحش . { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } . أي زانية . { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } . أي : لما قالوا لها ذلك أشارت لهم إلى عيسى أن كلّموه . { قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } . قال قتادة : " المهد " هنا حجر أمه . و " كان " هنا ، زائدة . و " صبياً " نصب على الحال ، والعامل فيه الاستقرار . والمعنى : كيف نكلم من في المهد صبياً لا يفهم مثله ، ولا ينطق لسانه بكلام . وقيل : إنّ " كان " هنا بمعنى وقع . و " صبياً " نصب على الحال والعامل فيه " كان " . والمعنى على هذا القول : كيف نكلم صبياً قد خلق في المهد . وقيل إن " من " للشرط . و " صبياً " حال . و " كان " بمعنى : وقع وخلق أيضاً . والمعنى على هذا ، من كان في المهد صبياً فكيف نكلمه . كما تقول : من كان لا يسمع ولا يبصر فكيف نخاطبه . قوله تعالى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ } . أي : قال عيسى لهم ذلك . وذلك أن مريم لما أشارت لهم إلى عيسى أن يكلموه ، ظنوا أن ذلك / منها استهزاء ، فغضبوا . وقوله : { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ } . أي : قضى أن يؤتيني ذلك فيما قضى . قال عكرمة : الكتاب : القضاء . وقوله : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً } يدل على أن الخير والشر بقدر من الله وقضاء . قال مجاهد : أن نفاعاً معلماً للخير حيثما كنت . وقال محمد بن كعب : لم يبعث الله نبياً إلا أتى على إثره الشدة واحتباس المطر إلا عيسى عليه السلام ، فإنه أتى على إثره الرخاء والمطر ، وأتت البركات بيمينه . وقيل : معنى ، " مباركاً " ثابت على دين الله وطاعته أينما كنت لأن أصل البركة الثبات على الشيء ، مأخوذ من بروك البعير . وروى ابن وهب ، عن مالك بن أنس أنه قال : بلغني أن عيسى ابن مريم انتهى إلى قرية قد خربت حصونها ، وجفت أنهارها وتشعيت شجرها . فنادى يا خراب ، أين أهلك ؟ فلم يجبه أحد ثم نادى ثانية ، فلم يجبه أحد ، ثم نادى الثالثة ، فنودي يا عيسى ابن مريم بادوا وتضمنتهم الأرض ، وعادت أعمالهم قلائد في رقابهم إلى يوم القيامة يا عيسى ابن مريم فجد . وقوله : { وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ } . أي : قضى أن يوصيني بذلك . وقوله : { وَٱلزَّكَاةِ } : هي زكاة الأموال . وقيل : هي تطهير البدن من الذنوب . { مَا دُمْتُ حَيّاً } أي : وقت حياتي في الدنيا . { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } أي : وجعلني براً بوالدتي . وقد قرأ أبو نهيك ، " وَبِرٍّ " ، بكسر الباء والراء . أي : وأوصاني ببر والدتي . وقوله : { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } . أي : ولم يجعلني مستكبراً عليه فيما أمرني به ونهاني عنه ، شقياً . وهذا يدل على أن الله جعل الأشقياء أشقياء ، والسعداء سعداء . فهو نص ظاهر في القدر . قال قتادة : ذكر لنا أن عيسى صلى الله عليه وسلم كان يقول : سلوني فإن قلبي لين ، وإني صغير في نفسي ، مما أعطاه الله عز وجل من التواضع . قال : وذكر لنا أن امرأة رأت عيسى وهو يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص . فقالت : طوبى للبطن الذي حملك ، والثدي الذي أرضعك . فقال لها عيسى : طوبى لمن تلا كتاب الله ، واتبع ما فيه ، ولم يكن جباراً شقياً . ومن قرأ : " وَبِرٍّ " بالخفض حسن أن يقف على " أينما كنت " ومن نصبه ، لم يقف عليه ، لأن " وبراً " منصوب بـ " جعلني .