Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 33-36)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ } إلى قوله : { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } . معناه : أن عيسى عليه السلام سلّم على نفسه في هذه الأوقات وهي أشد ما يمر على الإنسان في حياته وبعد موته . أي : الأمن علي من الشيطان أن يصيبني في حين ولادتي بسوء ، ويوم أموت من هول المطلع ، ويوم أبعث يوم القيامة من الفزع . فأخبرهم أنه سيموت ، وأنه يبعث حياً . ذكر عبيد بن عمير وغيره أن عيسى صلى الله عليه وسلم كان يأكل من الشجر ويلبس من الشعر ، ويأكل ما وجد ، ولا يسأل عما فقد ، ولا يخبئ طعام اليوم لغد ، وليس له ولد يموت ، ولا بيت يخرب ، يبيت حيث يدركه الليل . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ } . أي : هذا الذي وصفت لكم صفته ، وأخبرتكم خبره هو عيسى ابن مريم . ثم قال : { قَوْلَ ٱلْحَقِّ } من رفع القول . فعلى خبر الابتداء . أي هذا الكلام الذي قصصته عليكم قول الحق . أي قول الله ، فـ { ٱلْحَقِّ } هو الله . أي هو كلامه لا كلام غيره من اليهود والنصارى فيما ادعوا في عيسى من الكذب والبهتان / . ومن نصبه ، فعلى المصدر . أي : أقول قول الحق ، لا قول اليهود ، الذين زعموا أن عيسى عليه السلام كان ساحراً كذاباً . ولا قول النصارى ، أنه ولد الله تعالى وجلّ وعزّ عن ذلك . قال مجاهد : { قَوْلَ ٱلْحَقِّ } . الحق : الله . أي : قول الله هو الحق . فمن رفع القول حسن أن يقف على مريم ، ثم يبتدئ " قول الحق " أي هذا قول الله . ومن نصب ، لم يحسن الوقف على مريم ، لأن ما قبله قد قام مقام الفعل الناصب لـ : " قول " . وقد أجازه أبو حاتم على إضمار ناصب لقول الحق ، كأنه ابتدأ : أقول قول الحق . وقوله : { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } أي : يشكون ويختصمون من المراء وهو الخصام والجدال . قال قتادة : امترت فيه اليهود ، فقالوا : ساحر كذاب ، وامترت فيه النصارى ، فزعموا أنه ابن الله . وذلك أن بني إسرائيل اجتمعوا فأخرجوا منهم أربعة نفر . أخرج كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض ، فأحيا من أحيا ، وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء ، وهم اليعقوبية فقال له الثلاثة : كذبت ، ثم قال اثنان منهم للثالث : قل أنت فيه . قال : فقال : هو ابن الله وهم النسطورية . فقال له الاثنان : كذبت . ثم قال أحد الاثنين للآخر : قل فيه . فقال هو ثالث ثلاثة . الله إله ، وهو إله ، وأمه إله . وهم الاسرائيلية ملوك النصارى . قال له الرابع : كذبت . هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ، وهم المسلمون . فكان لكل واحد منهم أتباع على ما قال . فاقتتلوا فظهر على المسلمين ، فذلك قوله تعالى : { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } . قال قتادة : وهم الذين قال الله تعالى فيهم : { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } يعني : اختلفوا فصاروا أحزاباً . قوله تعالى : { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } . هذا تكذيب للذين قالوا : إن عيسى ابن الله . أي : ما يصلح له أن يتخذ ولداً ، بل كل شيء خلقه . ثم قال سبحانه : ينزه نفسه عما قالوا ، أي : تنزيهاً لله أن يكون له ما أضيف إليه من الولد ، فقال : { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } ، ينفي عن نفسه وينزهها عما يقول الظالمون ، وهذا اللفظ ظاهره الحظر ، والله لا يحظر عليه شيء ، لكنه محمول على معناه . ومعناه النفي ، أي : ما كان لله ليتخذ ولداً . فهو نفي عن الله ما لا يليق به وليس فيه في الباطن حظر . ومثله قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء : 92 ] معناه النفي ، وتقديره : ما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً . فظاهره حظر ، ومعناه النفي ، ولو كان حظراً لم يستثنى منه الإثبات في قوله " إلا خطأ " والنفي يستثنى منه الاثبات . ومعنى الإثبات في هذا ، إجازة وقوعه من المؤمن لا أنه إطلاق له أن يفعل ذلك ، وقد مضى ذكر هذا . ومثله { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } [ النمل : 60 ] ظاهره الحظر . أي لا تفعلوا وهو تعالى لم يحظر على خلقه أن يفعلوا ذلك ، وإنما معنى ذلك ، النفي عنهم القدرة على اختراع ذلك . فالمعنى : ما كنتم مخترعين ذلك ، ومحدثين له ، بل الله اخترعه وأحدثه . وهو كثير في القرآن يقاس عليه ما شابهه . ثم قال : { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } . أي : إذا أراد خلق شيء ، فإنما يقول له كن فيكون موجوداً حادثاً لا يتكلف في حدوثه معالجة ولا معاناة تصحيح ، والتقدير ، إذا قضى أمراً كونه . وقد زل في هذا بعض الملحدين فقال : هذا يدل على أن الأمر مخلوق ، لأنه قال : قضى أمراً . قال : وأمره كلامه ، وهذا إلحاد وكفر . ليس قضى في هذا بمعنى خلق ، إنما هو بمعنى أراد . والأمر في هذا إنما هو أحد الأمور المحدثة ، لا كلامه - تعالى عن ذلك - فالمعنى : إذا أراد إحداث أمر من الأمور المحدثة ، قال له : كن فكان . فكن كلامه . فبهذا يحدث المحدثات . فلو كان الأمر في هذا كلامه ، لحدث بكلامه كن ، فيصير كلامه يحدث بكلامه ، وهذا خلف من الكلام وخطأ ظاهر . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } . هذا من قول عيسى لهم . أخبرهم أنه وإياهم عبيد الله . فالعبادة له منا واجبة علينا . { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي : هذا الذي أوصيتكم به طريق مستقيم ينجوا من سلكه . فمن فتح " أن " فعلى معنى : / و " لأن الله " . هذا مذهب الخليل وسيبويه . وقال الفراء " أن " في موضع خفض عطف على الصلاة . أي : قال عيسى : أوصاني بالصلاة ، وبأن الله ربي وأجاز أن يكون في موضع رفع على معنى : والأمر أن الله . وحكي عن أبي عمرو أنها في موضع نصب عطف على أمر . أي : وقضى الله أن الله ربي . وقيل : هي في موضع رفع عطف على عيسى . أي : ذلك عيسى ، وذلك أن الله . وهذا ضعيف ، لأن المعنى ليس عليه . ومن كسر ، فعلى الابتداء ، ولم يعطفها على ما قبلها . وفي حرف ابن مسعود وأبي : " أن الله ربي " بغير واو . فهذا يدل على صحة الاستئناف . وقيل : الكسر على العطف على : " قال : إني عبد الله ، وقال إن الله ربي " . و " سبحانه " ، وقف عند نافع . ولا يحسن الابتداء بـ " أن " على قراءة من فتح ، إلا على قول الخليل وسيبويه : لأنهما لا يجعلان في الكلام عطفاً . وعلى قول الكسائي : الأمر أن الله يحسن الابتداء بها أيضاً .