Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 37-45)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } إلى قوله : { لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } . أي : فاختلف المختلفون بعد رفع عيسى صلى الله عليه وسلم . فصاروا أحزاباً ، وقد ذكر اختلافهم كيف كان . ثم قال : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } . أي : وادٍ في جهنم للكافرين الذين زعموا أن عيسى إله ، والذين زعموا أنه ابن الله . { مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني يوم القيامة . ثم قال : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } . أي : ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة إذا عاينوا ما لا يحتاج إلى فكر ولا رؤية . وقد كانوا في الدنيا عمياً عن إبصار الحق ، صماً عن سماع الهدى . قال قتادة : سمعوا حين لا ينفعهم السمع ، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر . قال ابن زيد : كانت في الدنيا على أبصارهم غشاوة ، وفي آذانهم وقر ، فلما كان يوم القيامة ، أبصروا ، وسمعوا فلم ينتفعوا ، وقرأ { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } [ السجدة : 12 ] . ثم قال تعالى ذكره : { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : لكن الكافرون في الدنيا في ذهاب مبين عن سبيل الحق . و { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } وقف حسن . والعامل فيه " أسمع بهم وأبصر " أي : ما أبصرهم وأسمعهم في هذا اليوم ، أي : هم ممن يقال ذلك فيهم ، ففيه معنى التعجب ، ولفظه ، لفظ الأمر ، ولا ضمير في الفعلين ، إذ ليس بأمر للمأمور ، إنما هو لفظ وافق لفظ الأمر ، وليس به . ثم قال : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي : أنذر هؤلاء المشركين يوم حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا في جنب الله إذا رأوا مساكنهم في الجنة قد أورثها الله أهل الإيمان به ، وعوضوا منها منازل في النار ، وأيقن الفريقان في الخلود . قال ابن مسعود : ليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة ، وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة ، فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال : لو آمنتم ، فتأخذهم الحسرة ، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال لهم : لولا ما منّ به الله عليكم . وقيل : { يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } يوم يعطى كتابه بشماله . وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجاء بالموت فيوضع بين الجنة والنار كأنه كبش أملح . قال : فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ، فيقولون : نعم هذا الموت . قال : فيقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . ثم يؤمر به فيذبح . قال : فيقول : يا أهل الجنة ، خلود بلا موت ، ويا أهل النار ، خلود بلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } الآية . وأشار بيده في الدنيا " يريد الغفلة في الدنيا . وكذلك رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يؤتى بالموت يوم القيامة ، فيوقف على الصراط . وقال في أهل الجنة ، فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم ، وقال في أهل النار ، فيطلعون فرحين مسرورين ، رجاء أن يخرجوا من مكانهم . وقال فيذبح على الصراط " . قال ابن عباس : " يصور الله الموت كأنه كبش أملح . فيذبح ، فييأس أهل النار من الموت ، فلا يرجونه ، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار ، ويأمن أهل الجنة الموت ، فلا يخشونه " . وقال ابن عباس : " يوم الحسرة " من أسماء يوم القيامة ، عظّمه الله وحذره عباده . ومعنى : { إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها ولأهل الجنة بالخلود [ فيها ] . / وقوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } أي : هؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم القيامة . { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي : لا يصدقون بآيات الله ولا بالرجوع إليه يوم القيامة . ثم قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } . أي : نفني من على الأرض ، فتبقى لا مالك لها غيرنا . { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } . أي : يرد هؤلاء المشركون وغيرهم ، فيجازي كلاً بعمله . والمعنى : إلى حكم الله يرجعون وقضائه فيهم ومجازاتهم . لم يرد برجوعهم إليه ، إلى مكانه ، ولا إلى ما قرب منه ، إنما رجوعهم إلى جزائه وحكمه فيهم . وكذلك كل ما شابهه . { قُضِيَ ٱلأَمْرُ } وقف ، إلا أن يجعل " وهم في غفلة " في موضع الحال فلا يقف على ذلك . والتمام " يؤمنون " . ثم قال تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } . أي : أتل على هؤلاء قصص إبراهيم وأبيه التي أخبرناك بها في الكتاب المنزل عليك ، وكذلك معنى قوله : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ } في كل موضع ، إنما معناه اذكر لقومك ما أنزل عليك في القرآن من قصة إبراهيم ، وموسى وغيرهما . { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } أي : كان من أهل الصدق في حديثه وأخباره ومواعيده . " نبيئاً " أي : تنبأه الله وأوحى إليه . ولا يوقف على " نبي " لأن " إذ " متعلقة بما قبلها . { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ } . أبتِ عند سيبويه لا تقع بالتأنيث إلا في النداء . ويكون للمذكر والمؤنث . و " التاء " عنده عوض من ياء الإضافة . ولذلك لا يجمع بينهما . ووقف ابن كثير بالهاء ، وجميع القراء غيره يقفون بالتاء ، لأنه مضاف في التقدير . وقرأ ابن عامر بفتح التاء على تقدير يا أبتاه ، فحذف الهاء لأنه واصل وحذف الألف كما تحذف ياء الإضافة ، لأنها بدل منها . وقيل : إنه أبدل من كسرة " التاء " فتحة ، ومن " الياء " التي كانت في الأصل ألفاً . ثم حذف الألف ، إذ لا يجمع بين الياء والتاء ، والألف عوض من الياء . فكما لا تثبت الياء مع التاء ، كذلك لا تثبت الألف التي هي عوض من الياء . وهذا القول أشبه من الأول ، وفيهما نظر . وقوله : { مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ } يعني الأصنام ، لا يسمعك إذا دعوته ، ولا يبصرك إذا أجبته ولا يغني عنك شيئاً : إن نزل بكل أمر أو ضر لم ينفعك ولا دفع عنك شيئاً . ثم قال : { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } . يعني : الوحي الذي أوحى الله إليه . { فَٱتَّبِعْنِيۤ } أي : أقبل قولي ، وما أدعوك إليه . { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } أي : أبصرك وأرشدك الطريق المستوي الذي لا تضل فيه إن لزمته . ثم قال : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } . أي : لا تطعه فيما يأمرك به فتكون بمنزلة من عبده . { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } . أي : عاص . و " عصياً " ، فعيل بمعنى فاعل . لام الفعل " ياء " أدغمت فيها " ياء " فعيل . ثم قال : { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الآية … أي : إني أعلم أنك ، إن مت على عبادة الشيطان ، أن العذاب يمسك فتكون للشيطان ولياً دون الله . فالخوف هنا بمعنى العلم . كما تقع الخشية بمعنى العلم في قوله : { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } [ الكهف : 80 ] .