Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 54-58)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ } إلى قوله : { سُجَّداً وَبُكِيّاً } . المعنى : واقصص عليهم يا محمد ، نبأ إسماعيل ، إنه كان صادق الوعد ، أي : لا يخلف وعده . قال ابن جريج : لم يعد ربه عدة إلا أنجزها . وقيل : إن هذا مما يدل على أنه هو الذبيح ، لأنه وعد من نفسه الصبر على الذبح ، فصبر حتى فداه الله . قال سهل بن عقيل : وعد إسماعيل رجلاً مكانه أن يأتيه ، فجاءه إسماعيل ، ونسي الرجل ، وظن أنه قد اشتغل ، فبات إسماعيل في المكان حتى جاء الرجل من الغد . فقال له الرجل : ما برحت من ها هنا ؟ فقال إسماعيل : لا والله . فقال الرجل : إني نسيت . فقال إسماعيل إني لم أكن لأبرح حتى تأتينَي ، فذلك قوله " كان صادق الوعد " . وروي أن إبليس اللعين تمثّل له ، فوقع بينهما موعد ألا يبرح إسماعيل حتى يعود إليه . فكان في اعتقاد إسماعيل أن ينتظر سنة فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فأعلمه أنه إبليس ، فذهب وأرسله الله إلى جرهم . وقوله : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } . يعني أمته كلها ، ذات نسب وغير ذات نسب . { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } / . أي : محموداً فيما كلفه ، غير مقصر . و " مرضي " مفعول ، والأصل فيه عند سيبويه . " مرضو " . ولكن أبدلوا من الواو ياء لأنها أخف ، ولأنها واو قبلها ضمة ، وليس ذلك في كلامهم فأبدل ولم يعتد بالساكن الذي قبل الواو المضمومة . ومثله قولهم مسنية ، أصلها مسنوة . وقال الكسائي والفراء : من قال " مرضى " بناه على رضيت وقالا وأهل الحجاز يقولون " مرضو " . وحكيا أنَّ من العرب من يُثني رضاً على رضوان ، ورضيان ، وربوان ، وربيان . فمرضي على رضيان . ومرضو على رضوان . ولا يعرف البصريون في التثنية إلا رضوان بالواو . وربوان بالواو . ثم قال تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } . أي : واقصص نبأ إدريس ، إنه كان لا يقول إلا الحق فيما يوحى إليه ، وفي غيره " نبيئاً " تنبأه الله . كان إدريس خياطاً ، وكان كلما وخز وخزة بالإبرة سبّح الله ، وهو أول من خاط الثياب ، وبينه وبين آدم خمسة آباء . ثم قال : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } قال كعب : أوحى الله إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل بني آدم ، فأحب أن يزداد عملاً فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا ، فكلم لي ملك الموت فليؤخرني حتى أزداد عملاً ، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً ، فكلم ملك الموت في الذي كلّمه فيه إدريس فقال : وأين إدريس ؟ فقال هو ذا على ظهري . فقال ملك الموت : فالعجب ، بعثت ، وقيل لي : اقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض . فقبض روحه هناك ، فذلك قوله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } . وقيل : إن الله جلّ ذكره جعله في السماء الرابعة قاضياً كالملك في وسط ملكه وجعل خزائن السماوات بيده . وقيل : رفع إلى السماء السادسة . وقال مجاهد : رفع إدريس ولم يمت كما رفع عيسى . وقال مجاهد وقتادة : رفع إلى السماء الرابعة . وروي قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما عرج به إلى السماء ، قال : " أتيت على إدريس في السماء الرابعة " . وقيل : { مَكَاناً عَلِيّاً } عنى به في النبوة والعلم . وسأل ابن عباس كعباً عن إدريس وما يجد من خبرة في التوراة فقال : إن في كتاب الله أن إدريس كان يعرج بعمله إلى السماء ، فيعدل عمله عمل جميع أهل الأرض . فاستأذن فيه ملك من الملائكة أن يؤاخيه ، فأذن الله له أن يؤاخيه ، فسأله إدريس . أي أخي ، هل بينك وبين ملك الموت إخاء ؟ قال : نعم ، ذلك أخي دون الملائكة ، وهم متآخون كما يتآخى بنو آدم فقال : هل لك أن تسأله كم بقي من عمري لكي أزداد في العمل ؟ . قال إن شئت سألته وأنت تسمع . قال : فحمله الملك تحت جناحيه حتى صعد به إلى السماء [ فقال لملك الموت ] أي أخي ، كم بقي من أجل إدريس ؟ فقال : ما أدري حتى أنظره قال : فنظر فقال : إنك تسألني عن رجل ما بقي من أجله إلا طرفة عين . فنظر الملك تحت جناحه ، فإذا إدريس قد قبض وهو لا يشعر . ذكر ذلك ابن وهب . وروى ابن وهب أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : إن إدريس أقدم من نوح ، بعثه الله إلى قومه فأمرهم أن يقولوا : لا إله إلا الله ويعملوا بما شاءوا فأبوا ، فأهلكهم الله . وروى أن ادريس سَار ذات يوم في حاجته فأدركه وهج الشمس فقال : يا رب ، إني مشيت في الشمس يوماً . فآذاني حرّها ، فكيف بمن يحملها مسيرة خمس مائة عام في يوم واحد ، اللّهم خفف عن من يحملها ، واحمل عنه حرها . فلما أصبح الملك ، وجد خفة فسأل الله عن ذلك ، فأعلمه أن إدريس دعا له في ذلك ، فسأل الله أن يجمع بينه وبينه ، وأن يجعل بينه وبينه خلة ، فأذن الله له في ذلك . ثم قال تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } . المعنى : أولئك الذين قصصت عليك ، أنباءهم ، هم الذي أنعم الله عليهم بتوفيقه ، فهداهم لطريق الرشد من الأنبياء { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } . يعني إدريس . و { وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } ( أي ومن ذرية من حملنا مع نوح في الفلك ، يعني : إبراهيم ) . { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ } يعني يعقوب من ذرية إبراهيم وإسماعيل من ذرية إبراهيم ، ومن ذريته أيضاً هارون وموسى ، وزكريا ، وعيسى ، وأمه . / { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا } للإيمان والعمل الصالح . { وَٱجْتَبَيْنَآ } أي : واصطفيا للرسالة والوحي . ثم قال تعالى : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } . أي : أدلته وحججه التي أنزلها في كتابه . { خَرُّواْ سُجَّداً } أي خضعاً . { وَبُكِيّاً } أي باكين . فبكى يجوز أن يكون مصدراً لبكى يبكي بكياً . بمعنى : بكاء . ويكون أصله بكوياً . كجلس يجلس جلوساً . ثم نقل ورد إلى الياء ، على أصل اجتماع الواو والياء . والأول ساكن ، ويكسر ما قبلها ، لأنه ليس من كلامهم ياء ساكنة قبلها ضمة ، ومن كسر أوله ، اتبع الكسر الكسر والياء . ويجوز أن يكون جمع باكٍ على فعول ، كما قالوا شاهد وشهود . فأما العتي والجثي فهما جمع جاث وعات على فعول ، ثم غير على ما تقدم في " مرضي " . لأن لامه واو . فهو مخالف لبكياً . إذ لامه ياء ، ولام جثياً وعتياً واو ، لأن ذلك من بكى يبكي ، وهذين من جثا يجثو ، وعتا يعتو ، فقس على هذا ياءات هذه السورة وغيرها . وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سورة " مريم " فسجد فقال " هذا السجود ، فأين البكي " وهذا يدل على أنه مصدر لا جمع يريد به فأين البكاء .