Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 62-64)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } إلى قوله { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } . أي : لا يسمعون في الجنة لغواً وهو الهدر والباطل من القول . { إِلاَّ سَلاَماً } أي : تحييهم الملائكة من كل باب بالسلام . وقوله : " إلا سلاماً " استثناء ليس من الأول . وقيل : هو بدل من لغو . ثم قال تعالى : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } . أي : لهم ما يشتهون من المطاعم ، قدر وقت البكرة ووقت العشي من نهار الدنيا . إذ لا ليل في الجنة ولا نهار . قال مجاهد : ليس " بكرة " ولا " عشي " ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا . خاطبهم الله بأعظم ما كان في أنفسهم من العيش . وكانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب به فأخبرهم الله أن لهم في الجنة ذلك الذي يعجبهم . وقال زهير بن محمد : " ليس في الجنة ليل . هم في نور أبداً ولهم مقدار الليل والنهار . يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب . ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب " . وقيل : معنى الآية : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } . مقدار ما يكفيهم لكل ساعة ولكل وقت يريدون فيه الأكل . ثم قال تعالى : { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } . أي : الجنة التي وصفت ، هي التي تورث مساكن أهل النار فيها . " من مكان تقياً " أي من اتقى عقاب الله ، فأدى فرائضه واجتنب محارمه . قال إبراهيم بن عرفة : وعد الله بالجنة كل من اتقى ، وأرجو أن يكون كل موحد من أهل التقية - إن شاء الله - ولن يهلك مؤمن بين توحيد الله ، وشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم . وقيل : " التقي " : الذي قد أكثر من اتقاء معاصي الله ومحارمه . ثم قال تعالى : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } . هذه الآية نزلت لما استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم الوحي . قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ، فنزلت { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } " . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فيما سأله المشركون عنه من خبر الفتية وخبر الطواف ، وعن الروح ، وقد كان قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم سأخبركم غداً ، ولم يستثن . فأبطأ عنه الوحي أربعين يوماً . ثم نزل جبريل عليه السلام : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وحزن فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال : يا رسول الله { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } الآية . وكذلك قال قتادة ومجاهد والضحاك باختلاف لفظ واتفاق معنى . ثم قال تعالى : { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } . معناه عند أبي العالية : ما بين أيدينا من الدنيا وما خلفنا من الآخرة " وما بين ذلك " ما بين النفختين . وقال ابن عباس : " ما بين أيدينا " الآخرة " وما خلفنا " من الدنيا . وكذلك قال قتادة ، إلا أنه قال : " وما بين ذلك " ، ما بين الدنيا والآخرة . وُرُوِيَ عن معمر : " ما بين ذلك " ما بين النفختين . وكذا قال الضحاك . وقال ابن جريج : " ما بين أيدينا " ما مضى أمامنا من أمر الدنيا ، " وما خلفنا ، " ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة ، " وما بين ذلك " ما بين ما مضى أمامهم وما بين ما يكون بعدهم . وقال الأخفش " ما بين أيدينا " : ما كان قبل أن نخلق " وما خلفنا " ما يكون بعد أن نموت " وما بين ذلك " منذ خلقنا إلى أن نموت . وقال ابن جبير : " ما بين ذلك " ما بين الدنيا والآخرة ، يعني البرزخ . فيكون المعنى : فلا استبطاء يا محمد في تخلفنا عنك ، فإنا لا ننتزل إلا بأمر ربك لنا بالنزول بما هو حادث من أمور الآخرة ، وما قد مضى من أمر الدنيا ، وما بين هذين الوقتين . وقوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أي ذا نسيان ، فيكون تأخر نزولنا من أجل نسيانه إياك . قال مجاهد : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أي ما نسيك .