Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 65-69)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } إلى قوله : { أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } . أي : وما كان ربك - رب السماوات والأرض وما بينهما - ذا نسيان ، " فاعبده " أي : الزم طاعته . { وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } أي : اصبر نفسك على العمل بطاعته . { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } أي : مثلاً وشبهاً في جوده وحلمه وكرمه وطوله . قاله ابن عباس وقتادة / ومجاهد وابن جبير . وعن ابن عباس أن معناه : هل تعلم يا محمد أحداً يسمى الرحمن سواه . وقيل : هل تعلم أحداً يقال له الله غيره . وقيل المعنى : هل تعلم أحداً يقال له رب السماوات والأرض وما بينهما غيره . وقيل : المعنى : هل تعلم أحداً يجوز أن يكون إلهاً معبوداً غيره . ثم قال تعالى : { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } . أي : ينكر الإنسان الكافر البعث ، فيقول : أنبعث ، إذا ما مت ، إنكاراً منه للبعث . فقال الله تعالى لنا : { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } أي : فكما خلقناه من غير شيء ، وأوجدناه من عدم ، كذلك نحييه بعد مماته . وهذا مثل قوله تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } [ يس : 78 ] فكان الجواب { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ يس : 79 ] والرؤية بمعنى العلم في هذا . أي : أولم يعلم الإنسان ذلك من حدوثه قبل أن لم يكن شيئاً . ولا يجوز أن تكون من رؤية البصر ، لأن الإنسان لم ير نفسه وقت خلقه . والوقف على " حياً " بعيد ، لأن " أولاً " معطوف ، دخل عليه ألف الاستفهام للتوبيخ . وقيل : إن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه . ثم هي في كل من كان مثلهم من الكفار المنكرين للبعث . ودخلت اللام في " لسوف " للتأكيد جواباً لقول قيل للإنسان ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( إذا ما مت لسوف تبعث حياً ) . فقال إنكاراً للبعث ، وجواباً لما قيل له : " أئذا ما مت لسوف أبعث " فأتى باللام في الجواب ، كما كانت في القول ولو كان مبتدئاً بذلك لم تدخل اللام ، لأن اللام للتأكيد والإيجاب ، وهو منكر للبعث ، فلا يصلح دخول اللام في غير منكر لخبره ، فإنما دخلت في هذا لمجازاة ما قيل له . أدخل اللام في الجواب كما دخلت في القول الذي أجاب عنه . ثم قال : { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ } . أي : لنحشرن هؤلاء المنكرين للبعث مقرنين بأوليائهم من الشياطين . { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } . أي : على ركبهم ، وهو جمع جاث . وأصله جثو ، مثل : قاعد وقعود ، ثم أبدل من الواو ياء لأنها ظرف على ما تقدم في " مرضياً " . وقيل : " جثياً " قعوداً لا يقدرون على القيام لشدة هول ما يرون . روى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إنكم [ ملاقو ] الله حفاة عراة مشاة عزلاً " قال ابن جبير : يحشرون حفاة عراة ، فأول من يكسى خليل الله إبراهيم عليه السلام . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم " ثم قال تعالى : { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } . أي : ثم لنأخذنّ من كل جماعة أشدهم على الرحمن عتواً وتمرداً . يعني الأكابر فالأكابر جرماً . والجبار فالجبار . والمعنى : نبدأ بتعذيب أعظمهم جرماً ثم الذي يليه ثم الذي يليه . قال مجاهد : " من كل شيعة " : من كل أمة . والشيعة : الجماعة المتعاونون على الأمر : فالتقدير : لنأخذن من كل أمة تعاونت على الكفر أشدهم كفراً ثم الذي يليه . " وأيهم " رفع عند الخليل على الحكاية . أي لننزعنّ الذي يقال له من أجل عتوه أيهم أشد . ومعناه : لننزعن من كل فرقة الأعتى فالأعتى ، يعذب أولاً أشدهم كفراً ثم الذي يليه . ومذهب يونس أن " لننزعن " معلق . " وأيهم " رفع بالابتداء وليس هذا الفعل مما يجوز أن يعلق عند غيره . ومذهب سيبويه أن " أيهم " مبنية على الضم ، لأنها خالفت أخواتها في الحذف ، لأنك لو قلت رأيت الذي أفضل منك ، ومررت بمن أفضل منك قبح ، وذلك حسن في " أيهم " فخالفت أختها بحسن حذف الصلة بعدها ، فبنيت على الضم . وقد خطيء سيبويه في هذا القول ، لأن مذهبه أنه إنما أعرب " أيا " إذا انفردت من أجل أنها تضاف . فكيف يعربها من أجل أنها تضاف ويبينها وهي مضافة . وقال الكسائي : " لننزعن " واقع على المعنى . كما تقول : لبست من الثياب ، وأكلت من الطعام . فترفع " أيهم " بالابتداء . وقال الفراء : المعنى : " لننزعن " بالنداء ، فيكون معنى " لننزعن " : لننادين . وهذا يتعلق ، ولا يتعدى ، فحسن الرفع بالابتداء ، إذ هو في موضع فعل يجوز أن يعلق عن العمل . أعني " لننزعن " وقع موقع " لننادين " . ونادى / فعل يعلق عن العمل إذا كان بعده جملة . فلا يعمل في اللفظ ويعمل في المعنى كظننت وحسبت . وقال بعض الكوفيين في " أي " معنى الشرط والمجازاة فلذلك لم يعمل فيها ما قبلها . وقال المبرد : " أيهم " متعلقة بشيعة لا بننزعن . والمعنى : ثم لننزعن من الذين تشايعوا أيهم . أي : من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد . فيكون المعنى على هذا ثم لننزعن من هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصف عنهم .