Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 76-80)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } إلى قوله : { وَيَأْتِينَا فَرْداً } . أي : ويزيد الله المؤمنين هدى ، لأنهم يؤمنون بكل ما أنزل إليهم من الفرائض ، ويصدقون بها ، ويعملون بها ، فهم في زيادة إيمان وهذا مثل قوله تعالى : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } … [ التوبة : 124 ] الآية . وقيل : يزيدهم هدى بإيمانهم بالناسخ والمنسوخ . وقيل : هو زيادة في اليقين بجعل جزائهم في الدنيا أن يزيدهم في يقينهم هدى . ثم قال تعالى : { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً } . يعني : الأعمال الصالحات هي خير عند ربك جزاء لأهلها . { وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } عليهم من مقامات هؤلاء المشركين في أنديتهم ، وافتخارهم بها في الدنيا . وقد تقدم ذكر الباقيات الصالحات ، واختلاف العلماء في معناها في " الكهف " . وقد قيل : " الباقيات الصالحات " الإيمان والأعمال الصالحة وسماها باقية ، لأنها تنفع أهلها في الدنيا والآخرة ولا تبطل كأعمال الكفار الذين لا يريدون بها ما عند الله . وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم فأخذ عوداً يابساً فحط ورقه ، ثم قال : إن لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله يحططن الخطايا كما تحط ورق الشجر الريح ، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن ، هن الباقيات الصالحات ، وهن من كنوز الجنة . فكان أبو الدرداء ، إذا ذكر هذا الحديث قال : لأهللن الله ، ولأكبرن الله ، ولأسبحن الله حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون " . وإنما سميت هذه الكلمات بالباقيات الصالحات لأنها تبقى لأهلها حتى يردوا عليها في الجنة . وروى أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذوا جنتكم خذوا جنتكم فقالوا : يا رسول الله ، أمن عدو قد حضر ؟ قال : لا ، ولكن من النار . قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومنجيات ، هن الباقيات الصالحات " . ثم قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } . هذه الآية نزلت في العاص بن وائل السهمي . قال خباب : كنت قينا - والقين الحداد - قال : وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال لي : والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . قلت : والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث . قال : وإني لمبعوث ؟ قلت : نعم . قال : فإنه سيكون لي ثم مال وولد ، فأقضيك . فأنزل الله جل ثناؤه { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا … } الآيات إلى { … فَرْداً } . وكذلك قال مجاهد : وقال ابن عباس : كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين ، فأتوا يتقاضونه فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهباً وحريراً ومن كل الثمرات ؟ قالوا : بلى . قال : فإن موعدكم الآخرة ، فوالله لأوتين مالاً وولداً ، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به ، فضرب الله تعالى مثله في القرآن في قوله : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } . إلى { فَرْداً } . ثم قال تعالى : { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } . أي : اعلم هذا القائل الغيب أفقال ذلك عن علم / غيب عنده ؟ أم اتخذ عند الرحمن عهداً ؟ أي : أم آمن بالله ورسوله وعمل بطاعته فكان له بذلك عهد عن الله فيؤتيه ما يقوله له في الآخرة ؟ . قال قتادة : " عهداً " عملاً صالحاً قدمه . وقاله : سفيان . وقيل : " العهد " التوحيد : " لا إله إلا الله " . وقيل : " العهد : الوعد . وقال عبد الله بن عمر : يقول الله تعالى يوم القيامة : من كان له عندي عهد ، فليقم ، فقالوا : يا أبا عبد الرحمن ، فعلّمنا . فقال قولوا : اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، إني أعهد إليك عهداً في هذه الحياة الدنيا ، إنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشر ، وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعلها لي عندك عهداً تؤديه إلى يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد . ثم قال تعالى : { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } المعنى : ليس الأمر كما قال أنه يؤتى في القيامة مالاً وولداً . قال أبو محمد ولـ " كلا " كتاب مفرد في القرآن ، قد ألفناه وكتب عنا ، ولذلك لم نشبع الكلام فيها ها هنا . ثم قال : { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } . أي : سنكتب قوله ، فنجازيه عليه ، فنمد له من العذاب مداً . أي : نزيده زيادة من العذاب على قوله هذا . أي : نطول له العذاب غير ما له من العذاب على كفره . ثم قال : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } . أي : نرث منه ماله وولده يوم القيامة { وَيَأْتِينَا فَرْداً } أي : وحده لا مال له ولا ولد . وقوله : " ونرثه " هو ، فعل من فعل يفعل بالكسر فيهما ، كما جاء بالضم في الفعلين في مثل : ظرُف يظرُف . ونظيره : ورم يرم وومق يمق ، ووري الزنديري ، ووفق بأمره يفق ، وورع يرع ووثق ، يثق ، ومنه وسع يسع ووطيء يطأ . وإنما فتح من أجل حرف الحلق ، والدليل على أنه يفعل بالكسر في الأصل ، حذف الواو منه في المستقبل . وبعدها فتحة ، ولم يعتد بالفتحة ، إذ هي غير أصلية ، إنما أحدثها حرف الحلق ، والكسر هو الأصل ، فلذلك حذفت الواو في المستقبل على أصل حذفها في : يزن ، ويعد وشبهه . وقد أتت أربعة أفعال من السالم على يفعَل ويفعِل باللغتين في المستقبل وهي حسب يحسب ، ونعم ينعم ، ويبس يبس ويئس ييأس . وحرف الجر ، مقدر محذوف من المفعول الأول في " ونرثه " أي ونرث منه قوله . وفي حرف ابن مسعود ، و " نَرِثُهُ ما عِنْدَهُ " . وقال ابن زيد : " وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ " ما جمع من الدنيا ، وما عمل فيها . وقيل : معناه : ويبقى عليه الإثم .