Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-213)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } الآية . الأمة هنا في قول ابن عباس وعكرمة : من كان بين آدم ونوح ، وهم عشرة قرون ، وكانوا على دين من الحق ، ثم اختلفوا بعد ذلك ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . قال ذلك ابن عباس وغيره . وأول من بعث الله نوحاً عليه السلام . والأمة هنا معناها الأمم ، ودل الواحد على الجماعة . وأصل الأمة الجماعة [ تجتمع على دين ] واحد ، قال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ المائدة : 48 ] أي على دين واحد . وقيل : معناه : كان آدم وحواء عليهما السلام أمة واحدة في الطاعة . وسميا بالجماعة لأنهما أصل لها . وقال أبي بن كعب : " معناه كان جميع الخلق أمة واحدة إذ استخرجهم من [ صلب آدم ] وقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] . فأقروا كلهم فكانوا كلهم أمة واحدة مسلمين ، ثم اختلفوا / إذ ظهروا إلى الدنيا فبعث الله النبيين مبشرين من أقام على عهده بالجنة . ومنذرين من خالف ما عهدَهُ إليه بالنار " . وقال ابن زيد عن أبيه " لم يكن الناس أمة واحدة قط ، إلا حين أخرجهم الله من ظهر آدم صلى الله عليه وسلم " . وقيل : الناس هنا : نوح ومن كان معه في السفينة . وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : " كانوا على الكفر فبعث الله النبيين " . قوله : { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } . أي لم يختلف في التوراة إلا الذين نزلت عليهم . { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ } الآية . أي الحجج أنه من عند الله ، فكان خلافهم تعمداً للبغي بينهم لحب الدنيا وملكها والتنافس فيها فبغى بعضهم على بعض ، وقتل بعضهم بعضاً على ذلك . وقال زيد بن أسلم : " اختلفوا في يوم الجمعة ؛ فاتخذ اليهود السبت ، / والنصارى الأحد ، فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة . واختلفوا في القبلة ؛ فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، وهدى الله أمة محمد صلى الله عليه [ وسلم ] للقبلة . واختلفوا في الصلاة ؛ فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنه من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي ويتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في الصيام ؛ فمنهم من يصوم بعض النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ فقالت اليهود : كان يهودياً ، وقالت النصارى : كان نصرانياً ، وجعله الله حنيفاً مسلماً ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك ، واختلفوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ؛ فكفرت به اليهود ، وقالوا في أُمِّهِ بهتاناً عظيماً ، وجعلته النصارى إلهاً وولداً ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك " . والبغي : الاعتداء والطغيان ، يقال للبحر إذا فاض وكثر ماؤه : " بَغَى الْبَحْرُ " أي طغى . وتقدير الكلام : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغياً بينهم من بعد ما جاءتهم البينات . وقد أنكر هذا قوم لأن المصدر لا يتقدم عليه ما تعلق به ، وهذا الاعتراض لا يلزم لأن " من " متعلقة " بأُوتُوهُ " لا " بالبغي " . ومعنى : { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ } أي الكتب . قوله : { لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } . أي ليحكم الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه بما فيه . وقرأ الجحدري . " لِنَحْكُمَ " بالنون . وقالوا أبو إسحاق : " معنى { وَمَا / ٱخْتَلَفَ فِيهِ } . أي في النبي محمد صلى الله عليه وسلم { إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } ، أي أعطوا علم نبوته ، فعلوا ذلك للبغي . قوله : { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . أي هداهم الله لمعرفة ما اختلفوا فيه من الحق إذ هداهم للإيمان بما اختلف فيه الأولون من الحق . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُون / يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ نَحْنُ أَوَّلُ / النَّاسِ دُخُولاً الجَنَّة بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُو الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَدَانَا اللهُ لِمَا / اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ " فَهَذا اليّوْم الذِي هَدَانَا اللهُ لَهُ وَالنّاس لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، غداً لليهود ، وبعد غَدٍ لِلنَّصَارى " . وهذا الاختلاف الذي هدى الله المؤمنين إليه ، ووفقهم لإصابته وهي الجمعة ضلوا عنها ، وقد فرضت عليهم كما فرضت علينا فجعلوها السبت ، وجعلها النصارى الأحد . وقال ابن زيد : " اختلفوا في الصلاة ؛ فمنهم من صلى إلى المشرق ، ومنهم من صلى إلى بيت المقدس ، فهدانا الله إلى الكعبة . واختلفوا في الصيام ؛ فمنهم من يصوم بعض يوم ، ومنهم من / يصوم بعض ليلة ، فهدانا الله له . واختلفوا في الجمعة ؛ فأخذ اليهود السبت ، وأخذ النصارى الأحد ، فهدانا الله له . واختلفوا في إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ فقالت اليهود : كان يهودياً ، وقالت النصارى : كان نصرانياً ، فهدانا الله إلى أنه كان حنيفاً مسلماً ، وكذلك اختلفوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ؛ فهدانا الله لجميع ذلك على الحق بمحمد صلى الله عليه وسلم " . وهذا عند أكثر أهل العلم فيه قلب ، والمعنى : فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه ، كما قال : @ كَانَ الزِّنَا فَرِيضَةَ الرَّجْمِ @@ فالهداية إنما هي للحق ، ولم يهدهم للاختلاف . وظاهر الآية يعطي الهداية للاختلاف لأنه قال : { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } . ولكن الكلام فيه قلب أتى على لغة العرب وعادتها في كلامها . وهذا قول الطبري واختياره . وقد قيل : إن المعنى : إن الله هداهم للاختلاف أنه باطل ، فآمنوا بما كفر به غيرهم .