Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ } . هذه الآية نزلت في قوم سبق في علم الله فيهم أنهم لا يؤمنون ، فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الإنذار لا ينفعهم لما سبق لهم في علمه ، وَثَمَّ كفار أُخَر نفعهم الإنذار فآمنوا لما سبق لهم في علم الله سبحانه من الإيمان به ، فالآية عامة في ظاهر اللفظ يراد به الخصوص ، فهي في من تقدم له في علم الله أنه لا يؤمن خاصة ، ومثله { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 3 ] . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إيمان جميع الخلق ، فأعلمه الله عز وجل في هذه الآية أن من سبق له في علم الله [ سبحانه الكفر والثبات عليه ] إلى الموت لا يؤمن ولا ينفعه الإنذار ، وأن الإنذار وتركه سواء عليه . وهذا مما يدل على ثبات القدر بخلاف ما تقوله المعتزلة . وقيل : نزل ذلك في قادة الأحزاب ، وهم الذين نزل فيهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ / بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } [ إبراهيم : 28 ] الآية . وهم الذين قتلوا يوم بدر ، قال ذلك الربيع بن أنس . وقال ابن عباس : " نزلت في اليهود الذين جحدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكباراً وحسداً مع معرفتهم أنه نبي صلى الله عليه وسلم " . وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : " حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف مع أصحابهما من رؤساء اليهود الذين دخلوا على النبي [ عليه السلام ] وسألوه عن { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } " . وقيل : هي عامة في كل كافر تقدم له في علم الله أنه لا يؤمن . وأصل الكفر التغطية . ومنه قيل لِلّيل : كافر ، لأنه يستر بظلمته ما فيه . ويقال للزراع : كفّار ، لأنهم يسترون الحب في الأرض ، ومنه قوله { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } [ الفتح : 29 ] . ومنه قولهم : " كَفّارَةُ اليمين " . لأنها تستر الإثم عن الحالف ، ومنه سمي الكافر لأنه يستر الإيمان بجحوده . ومعنى لفظ الاستفهام في / { ءَأَنذَرْتَهُمْ } للتسوية ، وهو في المعنى خبر ، لكن التسوية تجري في اللفظ مجرى لفظ الاستفهام ، والمعنى [ على الخبر ] ، تقول : " سواء عليَّ أقمت أم قعدت . وإنما صار لفظ التسوية مثل لفظ الاستفهام للمضارعة التي بينهما ، وذلك أنك إذا قلت : " قد علمت أزيد في الدار أم عمرو " ، فقد سويت علم المخاطب فيهما ، فلا يدري أيهما في الدار ، وقد اسْتَوَى علمك في ذلك ، وتدري أحدهما في الدار ولا تدريه بعينه . فهذا تسوية . وتقول في الاستفهام : " أزيد في الدار أم عمرو ؟ " ، فأنت لا تدري أيهما في الدار ، وقد استوى علمك في ذلك وتدري أن أحدهما في الدار ، ولا تدري عينه منهما ، فقد صار الاستفهام كالتسوية في عواقب الأمور ، غير أن التسوية إبهام على المخاطب وعلم يقين عند المتكلم ، والاستفهام إبهام على المتكلم . ويجوز أن يكون المخاطب مثل المتكلم في ذلك ، ويجوز أن يكون عنده يقين ما سئل عنه . فاعرف الفرق بينهما . وقوله : { ءَأَنذَرْتَهُمْ } ، فيه عشرة أوجه . - الأول : تحقيق الهمزة الأولى ، وتخفيف الثانية بين الهمزة والألف . وهي لغة قريش وكنانة ، وهي قراءة ورش عن نافع وابن كثير . - والثاني تحقيق الأولى وبدل الثانية بألف ، وهو مروي عن ورش وفيه ضعف . - والثالث : تحقيق الهمزيين وهي قراءة أهل الكوفة ، وابن ذكوان عن ابن عامر . - والرابع : حذف الهمزة الأولى وتحقيق الثانية . وهو مروي عن الزهري ، وهي قراءة ابن محيصن ، وذلك لأن " أم " تدل على الألف المحذوفة . - والخامس : تحقيقهما جميعاً وإدخال ألف بينهما . وبذلك قرأ ابن أبي إسحاق . - والسادس : تحقيق الأولى ، وتخفيف الثانية بين الهمزة والألف ، وإدخال ألف بينهما . وبذلك قرأ أبو عمرو ، وقالون ، وإسماعيل بن جعفر عن نافع ، وهشام بن عمار عن ابن عامر . - والسابع : ذكره أبو حاتم قال : " يجوز أن تدخل بينهما أيضاً ، وتحذف الثانية " ، فيصير لفظ هذا الوجه كلفظ الوجه الثاني المذكور . - والثامن : ذكره الأخفش قال : " يجوز أن تخفف الأولى منهما وتحقق الثانية " ، ولم يقرأ بهذا أحد ، وهو بعيد ضعيف لأن الاستثقال لا يقع في أول الكلام ، ولأن الهمزة المخففة بين بين ، لا يبتدأ بها إلا أن تريد أن تصل الهمزة بما قبلها وتلقي حركتها على الميم الساكنة قبلها ، فهو قياس ، وليس عليه عمل . - والتاسع : ذكره أبو حاتم أيضاً قال : " يجوز أن تخفف الهمزتين " . وهو بعيد ، ولم يقرأ به أحد ، وله قياس إذا وصلت كلامك ، فتلقي / حركة الأولى على الميم الساكنة قبلها ، وتخفف الثانية بين بين ، وهو بعيد جداً . - والعاشر : ذكره الأخفش أيضاً ؛ قال : " يجوز أن تبدل من الأولى هاء ، فتقول : " هانْذَرْتَهُمْ " . ولم يقرأ به أحد ومخالف للخط ، وقياسه في العربية جيد . ويجوز مع بدل الأولى " بهاء " أن تحقق الثانية وأن تخففها ، وتدخل بين الهمزة والهاء ألفاً ، وأن تحقق الثانية وتدخل بينهما ألفاً ، فتبلغ الوجوه إلى أربعة عشر وجهاً .