Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 71-74)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَّ ذَلُولٌ } لم يذللها العمل فتثير الأرض ، ولا تعمل في الحرث . { مُسَلَّمَةٌ } : أي : من العيوب . { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } : أي : لا بياض . ولولا قولهم : { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } ما اهتدوا إليها أبداً ، فوجدوا البقرة عند عجوز عندها يتامى فأضعفت عليهم الثمن ، فأتوا موسى صلى الله عليه وسلم فأخبروه . فقال لهم : أعطوها / رضاها ، ففعلوا وذبحوها . وأمرهم موسى صلى الله عليه وسلم بعضو منها يضربوا به القتيل ففعلوا . فرجع إليه روحه وسمَّى قاتله ومات فقُتل قاتله ، وهو الذي أتى إلى موسى صلى الله عليه وسلم يشتكي ويطلب الدية . وروي أن رجلاً صالحاً من بني إسرائيل كان له ابن صغير وله عجلة فأتى بالعجلة إلى غَيْضةٍ وقال " اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر . فشبت العجلة في الغيضة . وكانت ترعى فيها فلا يقدر عليها أحد ؛ تثب على من رامها [ فيهرب منها ] . فأتى ابن الرجل الصالح بعد موت أبيه ومعه حبل إليها ، فخوفه الناس منها ، فأقبلت البقرة إليه مذعنة فساقها إلى أمه وكان براً بها . فلم يجد بنو إسرائيل صفة البقرة التي أمروا بذبحها إلا تلك البقرة فاشتروها منه بملء جلدها دنانير . وعن ابن عباس قال : { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } : لا بياض فيها ولا سواد ، ولا حمرة " أي : لونها واحد لا لمعة فيها تخالف لونها وهو الصفرة . قيل : كانت صفراء حتى ظلفها وقرنها أصفران . قال : " وطلبوها فلم يقدروا عليها ، وكان رجل من بني إسرائيل من أبر الناس بأبيه ، وأن رجلاً مر به ومعه لؤلؤ . يبيعه ، وكان أبوه نائماً تحت رأسه المفتاح . فقال الرجل المار للولد البار : تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفاً ؟ قال له الفتى : كما أنت ، حتى يستيقظ والدي ، وأنا آخذه بثمانين ألفاً . قال له الآخر : أيقظ أباك وهو لك بستين ألفاً ، فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفاً . وزاد الحدث على أن يصبر حتى يستيقظ أبوه حتى بلغ مائة ألف . فلما أكثر عليه حلف ألا يشتريه منه وأبى أن يوقظ أباه ، فعوضه الله عز وجل من ذلك اللؤلؤ أن جعل تلك البقرة عنده . فسألوه بيعها فأبى فرفع في سومها فمضوا به إلى موسى ، فقالوا : قد أعطيناه ثمنها وأبى أن يبيع . فقال : يا نبي الله : أنا أحق بمالي ؟ قال له : نعم أنصفوه ، واشتروا منه . فاشتروها منه بوزنها عشر مرات ذهباً " . وقيل : ضرب بفخد البقرة الأيمن . وقيل : ضرب بعظم من عظامها . وقيل : بذنبها . وقيل : بلسانها . وقوله : { كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } . في الكلام حذف واختصار ، والتقدير : فضربوه فحيي فقيل لهم : كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته فاعتبروا . واستدل مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه على تصحيح الحكم بالقسامة [ بهذا القتيل المذكور / ضربوه ] ببعضها فحيي وقال : " فلان قتلني " ، فَقُتِلَ ، بقوله . قال مالك : " فهذا مما يبين القسامة وأن يقبل قول الميت فيقسم عليه " . وروي أنه قال : " ابن أخي قتلني " ومات ، فَقُتِلَ به ولم يرث عمه . قال عبيدة السلماني : " فسقط ميراث القاتل عمداً ممن قتل [ من حينئذ ] " . وهذه الآية عند مالك تدل على القسامة وعلى قبول قول المقتول : " فلان قتلني " ، ويقسم على قوله الأولياء . قوله : { ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } : أي : بينت لنا . وقيل : إنهم عرفوا عند من البقرة لما وصفها ، وعلموا أنه ليس يجدون ما وصف لهم إلا في موضع بعينه ، فقالوا : الآن جئت بالحق . ولم يريدوا أنك لم تأت بالحق من أول كلامك إلا الساعة ، إنما معناه : الآن جئتنا بغاية البيان ، لأنهم كانوا مذعنين للذبح ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم . قوله : { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } . أي : كادوا أن يضيعوا فرض الله عز وجل لغلائها وكثرة قيمتها . وقيل : أرادوا / أن لا يفعلوا خوف الفضيحة وهم قاتلوا المقتول على قول من قال : كانوا ورثة . وقيل : لعزة وجودها على تلك الصفة . وروي عن ابن عباس أنه قال : " مكثوا في طلب البقرة أربعين سنة " وقال طلحة بن مصرف : " لم تخلق تلك البقرة من نتاج ، إنما نزلت من السماء " . قوله : { فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا } . أي : اختلفتم وتدافعتم في الحكومة . وقيل : في النفس . وقيل : في القتلة . ورجوعها على النفس أولى لتقدم ذكرها . / قوله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } . روي عن ابن عباس أنه قال : " لما أخبر / المقتول بمن قتله مات ، فأنكروا أنهم فعلوا بعد إخباره عنهم ، فكذبوا ما رأوا . فذلك قساوة قلوبهم " . قوله : { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } . " أَوْ " [ للتخيير أي : شبهوهم بقساوة ] الحجارة / أو بأشد منها ، لأنهم جحدوا بعدما عاينوا ، فأنتم مخيّرون في تشبيههم . وقيل : معنى { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } ، أي : هو أقسى من الحجارة لأن الحجارة ليس لها ثواب ولا عليها عقاب ، وهي تخاف الله عز وجل . روي أن عيسى ابن مريم مر بجبل فسمع منه أنيناً فقال : " يا رب ائذن لهذا الجبل حتى يكلمني " . فأذن الله للجبل فكلمه ، فسأله عيسى [ صلى الله عليه وسلم ] عن أنينه فقال : سمعت الله يقول : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ البقرة : 24 ] فخفت أن أكون من تلك الحجارة " . وقيل : معناه : فقلوبهم مثل الحجارة أو أشد أي : منها ما هو مثل الحجارة ، ومنها ما هو أشد كأنها لا تخرج من هذين القسمين . وقيل : " أو " بمعنى الواو . وقيل : بمعنى : " بل " . قوله : { لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ } . هو حجر موسى صلى الله عليه وسلم الذي [ انفجرت منه ] [ اثنتا عشرة ] عيناً . قوله : { لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } . هو الجبل الذي جعله الله دكاً إذ تجلى إليه ، خرَّ لَهُ . قوله : { لَمَا يَشَّقَّقُ } . هو العيون التي تخرج من سائر الجبال . قوله : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } . يعني ما أراهم من إحياء الميت ومن العصا والحجر والغمام والمن والسلوى والبحر والطور وغير ذلك . فلم يكونوا قط أعمى قلوباً ، ولا أشد قسوة وتكذيباً لنبيهم منهم في ذلك الوقت .