Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 11-15)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ * إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ } إلى قوله : { بِمَا تَسْعَىٰ } . أي : فلما أتى النار موسى ، ناداه ربه : يا موسى ، إني أنا ربك فاخلع نعليك . قال وهب : خرج موسى نحو النار ، فإذا هي في شجرة من العليق . ( وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة ) فلما دنا ، استأخرت عنه ، فلما رأى تأخرها عنه ، رجع وأوجس في نفسه خيفة ، فلما أراد أن يرجع دنت منه ثم كلم من الشجرة ، فلما سمع الصوت ، استأنس فقال له الله { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } فخلعهما وألقاهما . قال كعب : " كانتا من جلد حمار ميت ، فأمر بخلعهما ، وأراد الله أن يمسه القدس ، وكذلك قال عكرمة وقتادة . وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كانت على موسى يوم كلّمه الله جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، ونعلاه من جلد حمار غير ذكي " . وقال الحسن : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله تعالى أراد أن يباشر بقدميه بركة الأرض . وكان قد قدس الوادي مرتين . وكذلك قال ابن جريج . وهذا القول اختيار الطبري ، لأن الحديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما من جلد حمار غير ذكي . وقوله : { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } . أي : المطهر . وقال ابن عباس : " المقدس " : المبارك . وقال مجاهد : { ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } : بورك فيه مرتين . ويروى أن موسى صلى الله عليه وسلم لما خرج من مدين ومعه امرأته بنت شعيب يريد مصر أخطأ الطريق ، وكان صلى الله عليه وسلم رجلاً غيوراً ، فكان يصحب الناس بالليل ، ولا يصحبهم بالنهار ، فأخطأ الطريق عند انفراده لما سبق في علم الله من أمره . فرأى ناراً . فقال لأهله امكثوا ، إني أبصرت ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى . أي : من يهديني إلى الطريق ، وكانت ليلة مظلمة ، فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجر عناب ، فوقف متعجباً من ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة . فلا شدة النار تغيّر خضرة تلك الشجرة ، ولا كثرة ماء الشجرة يغيّر حسن ضوء النار . فلما أتى الشجرة سمع النداء ، يا موسى ، إني أنا ربك ، فاخلع نعليك ، وكانتا من جلد حمار ميت . وقال ابن عباس / : في معنى " طوى " أن موسى طواه الليل إذ مر به فارتفع إلى أعلى الوادي . فيكون على هذا مصدراً عمل فيه ما هو من غير لفظه . كأنه قال : إنك يا موسى بالواد الذي طويته طوى : أي : تجاوزته فطويته بسيرك . وقال قتادة : معناه : قدس مرتين ، أي طهره وهو قول الحسن . وقال مجاهد وابن أبي نجيج : " طوى " اسم الوادي . وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس . وقاله ابن زيد . وعن ابن عباس : أنه أمر من الله تعالى لموسى أن يطأ الوادي بقدمه . فالمعنى : اخلع نعليك . طأ الوادي . وقال ابن جبير : معناه : طأ الأرض حافياً كما تدخل الكعبة حافياً . وكذلك روي أيضاً عن مجاهد . ومن فتح الهمزة في " إني أنا " فعلى تقدير : " نودي بأني " . ومن كسرها فعلى الاستئناف ، لأن النداء وقع على موسى فاستؤنفت " إن بعده ، فكسرت . وقيل : كسرت لأنها حكاية بعدها . معناه : القول ، لأن نؤدي مثل قيل . ومن صرف " طوى " جعله اسما للوادي مذكراً ، فصرفه ، وجعله مصدراً . والأكثر في المصدر من هذا أن يكون مكسور الأول مثل ثنى . ومن لم يصرفه جعله اسماً للبقعة . وقيل : هو معدول عن طاوي . كعمر ، معدول عن عامر ، وقد ذهب الكسائي في صرفه إلى أنه صرف لخفته . وكان حقه ألا ينصرف . ولكن سمع صرفه من العرب . وعلة صرفه قلة حروفه وخفته . ثم قال تعالى ذكره : { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } . أي : وأنا اجتبيتك لرسالتي ، فاستمع لما يوحى وَعِهِ بقلبك ، واعمل به . { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } . أي : إني أنا المعبود ، لا معبود غيري يستحق العبادة فاعبدني . { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } ، أي : أقم الصلاة فإنك إذا أقمتها ذكرتني . فتقديره : أقم الصلاة ، لأن تذكرني بها ، هذا معنى قول مجاهد . وقيل : معناه : أقم الصلاة حين تذكرها . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها " ، قال الله عز وجل : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } وزاد فيه قتادة " لا كفارة لها إلا ذلك " . وقيل : المعنى : أقم الصلاة لأن أذكرك بالمدح . وقيل : المعنى : أقم الصلاة إذا ذكرتني . وقيل : المعنى : أقم الصلاة لتذكرني فيها . وشاهده أن ابن عباس وأبا عبد الرحمن السلمي قرآ : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } بلامين ، مشددة الذال . أي : لتذكرني فيها . وقرأ الأعرج وأبو رجا والشعبي : " لِذِكْرَاً " أبدلوا من الياء ألفا . كما يقال : يا غلاماً . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } . أي : إن القيامة جائية أكاد أسترها . وقال ابن عباس معناه : لا أظهر عليها غيري . وقال مجاهد وابن جبير : أكاد أخفيها من نفسي . وقاله قتادة والضحاك . وقرأ ابن جبير بفتح همزة " أخفيها " . وكذلك روى عن مجاهد والحسن ، بمعنى أظهرها . يقال خفيت الشيء وأخفيته بمعنى : أظهرته . ومنه قيل للنباش المختفي ، لأنه يظهر الموتى ويقال : أخفى بمعنى ستر . هذا هو المشهور في كلام العرب . وإنما حسن أن تتأول الآية في قراءة من ضم الهمزة على أخفيها من نفسي - والله لا يخفى عليه شيء - لأنه تعالى خاطب العرب على ما تعرف ، وتستعمل فيما بينها من المخاطبات . وقد كان الرجل منهم إذا تبالغ في الخبر عن إخفاء شيء هو له مسر ، قال : كدت أخفيه من نفسي . فخوطبوا على أبلغ ما يعقلون . وقيل : إن : " أكاد " بمعنى أريد . وذلك معروف في اللغة . فيكون المعنى أريد أخفيها . أي أسترها لتجزي كل نفس بما تسعى . وقيل : إن تمام الكلام " أكاد " أي : أكاد أن آتي بها ، ثم ابتدأ فقال أخفيها أي : ولكني أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى . وقيل : أكاد زائدة . وهو قول الأخفش . قال : ومنه قوله تعالى : { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [ النور : 40 ] وإنما هو لم يرها . وقيل : معنى قول من قال : معناها أكاد أخفيها من نفسي ، أي من قِبلي ومن عندي . وقيل : إن المعنى أن الله تعالى قد أرسل الرسل بخبر أن الساعة آتية ، وكذب بها الأمم فقال : " أكاد أخفيها " أي : أكاد لا أجعل لها دليلاً ، فتأتي بغتة . فلم يخفها تعالى ذكره لأنه قد أرسل الرسل ينذرون الناس ويحذرونهم من قيامها ، وإنما احتاج العلماء إلى هذه التأويلات ، لأن القائل إذا قال : كدت أخفيه " كان معنى قوله : أنه أظهره ، فيجب أن يكون معنى " أكاد أخفيها " أظهرها . وذلك صحيح ، لأن الله عز وجل قد أظهر علاماتها وأشراطها . واختار النحاس أن يكون المعنى : أن الساعة آتية أكاد " تم الكلام أي : " أكاد آتي بها . ودل " آتية " على " آتي بها " . ثم قال " أخفيها " على الابتداء . فصح المعنى ، لأنه الله تعالى قد أخفى وقتها . وقوله : { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } اللام متعلقة بـ " آتية " . وقيل : بـ { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } . أي : لتثاب كل نفس من المكلفين بما تعمل من خير وشر . و " السعي " العمل . وأجاز أبو حاتم الوقف على " أخفيها " . ويبتدئ بلام { لِتُجْزَىٰ } بجعلها لام قسم . وذلك غلط ظاهر .