Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 120-128)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } إلى قوله : { مَعِيشَةً ضَنكاً } . أي : فألقى إلى آدم الشيطان ، فقال له : { يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } أي : على شجرة من أكل منها خلد فلم يمت ، { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } أي : لا ينقضي . وقال السدي : على شجرة الخلد : أي : على شجرة إن أكلت منها كنت ملكاً مثل الله عز وجل ، أو تكونا من الخالدين " ، لا تموتان أبداً . ثم قال تعالى : { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } أي : فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عنها ، وأطاعا أمر إبليس ، فبدت لهما سوءاتهما . أي ظهرت وانكشفت لهما عورتهما ، وكانت مستورة عن أعينهما . قال السدي : إنما أراد إبليس اللعين أن يظهر لهما سوءاتهما ، لأنه علم أن لهما سوأة ، لما كان يقرأ من كتب الملائكة ، ولم يعلم ذلك آدم ، وكان لباسهما الظفر ، فأبى آدم أن يأكل منها ، فتقدمت حواء فأكلت منها . ثم قالت : يا آدم ، كُلْ [ فإني ] قد أكلت ، فلم يضرني ، فلما أكل آدم منها بدت لهما سوءاتهما . ثم قال : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } أي : أقبلا . وقيل : معناه : جعلا يخصفان عليهما ورق التين . قاله السدي . وقال قتادة : { يَخْصِفَانِ } يوصلان . ثم قال تعالى : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } . أي : وخالف آدم أمر به ، فتعدى إلى الأكل من الشجرة فغوى . ثم قال : { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ } . أي : اصطفاه [ واختاره ] ربه بعد معصيته وهداه للتوبة ووفقه لها . ثم قال : { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } . أي : قال الله لآدم وحواء اهبطا من الجنة جميعاً إلى الأرض ، أي : انزلا . وهذا يدل على أن الجنة في السماء . { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } . أي : أنتم عدو إبليس وذريته ، وإبليس عدوّكما ، وعدو ذريتكما . قال الضحاك : أُهبطَ آدم بالهند على جبل يقال له الوسي على رأسه إكليل من ريحان الجنة ، وفي يده قبضة من حشيشها فانتثر في ذلك الجبل ، فكان منه الطيب ، وأهبطت حواء بجدة وأهبط إبليس بالبصرة . ثم قال تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } . يعني : آدم وحواء وإبليس . أي : بيان لسبيلي وما اختاره لخلقي من ديني . { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } أي : بياني وعمل به . { فَلاَ يَضِلُّ } أي : ليس يزول عن محجة الحق . { وَلاَ يَشْقَىٰ } أي : في الآخرة بعذابها . قال ابن عباس : فضمن الله لمن قرأ القرآن ، واتّبع ما فيه ، أن لا يضلّ في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة . أي : وقاه الله من الضلالة في الدنيا ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب . ثم تلا هذه الآية . وقال ابن جبير : من قرأ القرآن واتبع ما فيه ، عصمه الله من الضلالة ووقاه . ثم قال : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } . أي : من لم يؤمن بالقرآن ، { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } . قال ابن عباس / : هي الشقاء . وقال مجاهد : معيشة ضيقة . وهو قول قتادة . وذلك في جهنم ، لأنه جعل طعامهم فيها الضريع والزقوم . قاله : الحسن وابن زيد وقتادة . وقيل : عني بذلك أكلهم في الدنيا الحرام ، فالحرام ضيق بسوء عاقبته وإن اتسع في الظاهر . قاله : عكرمة والضحاك . وعن ابن عباس أنه : كل ما أنفق في غير ذات الله فهو معيشة ضنك . وعن أبي سعيد الخدري أنه : عذاب القبر يضيق عليه في قبره ، حتى تختلف أضلاعه ، وقاله السدي : وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم . روي عنه أنه قال : " أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده ، إنه يسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً ، أتدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة " . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المؤمن إذا ألحد في قبره أتاه ملكان أزرقان أسودان ، فيأتيانه من قبل رأسه ، فتقول صلاته لا يؤتى من قبلي ، فرب ليلة قد بات فيها ساهراً حذاراً لهذا المضجع فيوتى من قبل رجليه ، فتقول رجلاه لا يؤتي من قبلنا ، فقد كان ينصب ويمشي علينا في طاعة الله حذاراً لهذا المضجع فيؤتى من قبل يمينه فتقول صدقته لا يؤتى من قبلي ، فقد كان يتصدق حذاراً لهذا المضجع ، فيؤتى من قبل شماله ، فيقول صومه لا يؤتى من قبلي ، فقد كان يجوع ويظمأ حذاراً لهذا المضجع ، فيوقظ كما يوقظ النائم ، ثم يسأل " . قوله تعالى : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } إلى قوله : { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } . قال مجاهد : أعمى عن حجة ، لا حجة له يهتدي بها ، وقاله أبو صالح . وقيل : معنى ذلك ، أنه لا يهتدي إلى وجه ينال منه نفعاً ولا خيراً ، كما لا يهتدي الأعمى إلى جهات المنافع في الدنيا . وقيل : " أعمى " من عمى البصر ، كما قال : ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً . ثم قال تعالى : { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } . قال مجاهد ، معناه : لِمَ حشرتني ولا حجة لي ، وقد كنت عالماً بحجتي بصيراً بها عند نفسي في الدنيا . وقال إبراهيم بن عرفة : كلما ذكر الله جلّ وعز في القرآن من العمى ، فذمّه فإنما يريد به عمى القلب . قال الله تعالى : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } . وقيل : معناه ، وقد كنت ذا بصر أنظر به الأشياء في الدنيا . وقيل : معنى الآية : ونحشره يوم القيامة أعمى عن حجته ، ورؤية الأشياء ، لأن الآية عامة . وقوله : " لم حشرتني أعمى " ، أي : أعمى عن حجتي وعن رؤية الأشياء وقد كنت بصيراً ، أي : بصيراً بحجتي في الدنيا رائياً للأشياء . وهذا سؤال من العبد لربه أن يعلمه الجُرم الذي استحق ذلك عليه ، لأنه جهله وظن أنه لا ذنب له ، فقال الله جلّ ذكره : { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا } أي : فعلت ذلك بك كما أتتك آياتنا ، وهي ما أنزل في كتابه من فرائضه . { فَنَسِيتَهَا } . أي فتركتها ، أي : أعرضت عنها ، ولم تؤمن بها . { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } . أي : كما نسيت آياتنا في الدنيا ، ولم تؤمن بها ، كذلك تترك اليوم في النار . وقال قتادة : { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي : تنسى من الخير ، ولم تنسى من الشر . ثم قال : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ } . أي : وهكذا نتيبُ من أسرف فعصى ربه ، ولم يؤمن برسله وكتبه ، فنذيقه معيشة ضنكاً في البرزخ { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } . أي : ولعذاب الله إياهم في الآخرة أشد من عذاب القبر " وأبقى " أي : أدوم . ثم قال : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } . أي : أفلم يهد يا محمد لقومك كثرة ما أهلكنا قبلهم من القرون الماضية ، يمشون في مساكنهم وآثارهم ، ويرون آثار العقوبة التي أحللنا بهم لما كفروا ، فيؤمنون بالله وكتبه ورسله خوفاً أن يصيبهم بكفرهم مثل ما أصاب القرون قبلهم ، فيكون " كم " فاعلة ليهد على هذا التقدير ، كأنه قال : أفلم يهد لهم القرون التي هلكت . " ويهد " بمعنى ، يبين ، وشاهد هذا التقدير أن في حرف / ابن مسعود : أفلم يهد لهم من أهلكنا قبلهم فكم في موضع " من " . وقيل : " كم " استفهام ، فلا يعمل ما قبلها فيها ، وهي في موضع نصب بـ " أهلكنا " . وهذا القول هو الصحيح عند البصريين ، لا يعمل ما قبل " كم " فيها خبراً كانت أو استفهاماً ، إنما يعمل فيها عندهم ما بعدها ، كأي في الاستفهام . وكانت قريش تسافر إلى الشام ، فيرون آثار عاد وثمود ومن هلك بكفره قبلهم وبعدهم ، فحذرهم الله أن يصيبهم مثل ما عاينوا . وقيل : التقدير : أفلم يهد لهم الأمر ، بإهلاكنا من أهلكنا ، فالفاعل مضمر . وقال المبرد : الفاعل المصدر ، ودل " يهدي " عليه ، كأنه قال : يهدي الهدى . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } . أي : إن في ما يعاين هؤلاء من مساكن القرون الهالكة التي كذبت رسلها قبلهم ، لدلالات وعبراً ومواعظ لأولى العقول . وقال ابن عباس : { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } : لأولي التقى . وقال قتادة : لأولي الورع .