Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 36-44)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى وجلّ ثناؤه : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } إلى قوله { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } . أي : قد أعطيتك ما سألت من شرح صدرك وتيسير أمرك ، وحل العقدة من لسانك ، وتصيير أخيك هارون عوناً لك . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } . أي : تطولنا عليك قبل هذه المرة مرة أخرى ، ثم بيَّن المرة الأخرى ما هي فقال : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ } أي : إذا ألهمنا أمك . وقيل : كانت رؤيا رأتها . وقيل : بل أوحى إليها ما شاء . وقال ابن إسحاق : لما ولدت أم موسى موسى صلى الله عليه وسلم ، أرضعته حتى إذا أمر فرعون بقتل من ولد سنته تلك ، عمدت إليه ، فصنعت به ما أمرها الله تبارك وتعالى . روي أنها رؤيا رأتها ، ففعلت ما أمرت به في رؤياها . وكان فرعون يذبح ذكور أولاد بني إسرائيل لأجل أنه بلغه أنه سيكون زوال ملكه وهلاكه على يدي واحد من أولاد بني إسرائيل فخافت أم موسى من فرعون على ولدها . فأراها الله ما أمرها به في منامها ، فجعلته في تابوت صغير ، ومهدت له فيه ، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه ، وهو اليم ، فأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كل غداة ، فبينما هو جالس ، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به ، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه . فقال : إن هذا لشيء [ عجيب ] في البحر ، فآتوني به ، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به ففتح التابوت ، فإذا فيه صبي في مهد ، فألقى الله عز وجل عليه محبته فعطف عليه نفسه . فهو قوله : { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } . يعني فرعون . ثم قال تعالى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } . أي : حببتك إلى عبادي . وقال عكرمة معناه : إني حسنت خلقك ، أي : جعلت لك حسناً وملاحة . وقيل معناه : حببتك إلى [ كلِّ ] من رآك . وقيل : إن الله جلّ ذكره جعل في موسى عليه السلام ملاحة ، فكان لا يراه أحد إلا أحبه واستحلاه ومال قلبه إليه . وذكر ابن الإعرابي عن قتادة في قوله : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } . قال : ملاحة في عينيك ، لا يراك أحد إلا أحبك . وعن عكرمة أنه قال : حسن وملاحة . وقيل معناه : جبلت القلوب على محبتك ، اختصاصاً لك . وقال مجاهد : مودة في قلوب المؤمنين . ثم قال : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } أي : ولتغذى على عيني ، قاله قتادة . وقال ابن زيد : معناه : إني جعلتك في بيت الملك تنعم وتترف غذاؤه عندهم غذاء الملك . وقال ابن زيد . معناه : وأنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت ثم في البحر ثم إذ تمشي أختك . و " اللام " في " ولتصنع " متعلقة بـ " ألقيت " أي : ألقى المحبة لتصنع . ثم قال : / { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } . أي : ولتصنع على عيني حين تمشي أختك . وفي الكلام حذف . والتقدير : إذ تمشي أختك تتبعك حتى وجدتك ثم يأتي من يطلب المراضع لك فتقول : هل أدلكم على من يكفله ؟ قال السدي : لما ألقته أمه في اليم ، قالت لأخته : قصيه ، فلما التقطه آل فرعون ، أرادوا له المرضعات ، فلم يقبل أحداً من النساء ، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع ، وأبى أن يأخذه فقالت أخته : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فأخذوها وقالوا لها : إنك قد عرفت هذا الغلام ، فدلينا على أهله . قالت : ما أعرفه ولكني إنما قلت : هم للملك ناصحون . ومعنى : يكفله : يضمه إليه ويرضعه . ورويَ أن موسى عليه السلام لما خرج من التابوت بكى وطلب اللبن فطلب له النساء ، فلم يقبل أحداً ، فشق ذلك على فرعون ، واغتم له ، وقلق ، وجعل يبعث إلى كل مرضعة ، ولم يقبل أحداً ، فعند ذلك ، جاءت أخت موسى صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هل أدلكم على من يرضعه ؟ فقيل لها : هاتها ، فجاءت بأم موسى ، فقبل ثديها ، فطابت نفس فرعون ومضت به معها ، آمنة عليه مما كانت تخافه ، وذلك وعد الله لها ، وقوله لها : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } وهو قوله : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها } أي رددناك إلى أمك بعد أن كنت في أيدي آل فرعون كي تقرّ عينها ، أي : تقرّ عينها بسلامتك من القتل والغرق ، ولا تحزن عليك من الخوف ومن فرعون أن يقتلك . قال ابن إسحاق : لما قالت أخت موسى ما قالت ، قالوا : هاته ، فأتت أمه فأخبرتها ، فانطلقت معها حتى أتتهم فناولتها إياه فوضعه في حجرها ، وأخذ ثدييها ، فسّروا بذلك ، وردّوه إلى أمه تكفله ، لطفاً من الله لها ، وصار موسى وأمه كأنهم من أهل بيت فرعون في الأمان من القتل وغيره . وكان على فراش فرعون وسريره متغذياً بما يتغذى به الملك . وهذا من بديع لطفه ، لا إله إلا هو . ويروى عن ابن عباس أنه قرأ : ( تقِرِ ) بكسر القاف ، وهي لغة . ثم قال : { وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } . يعني : قتله القبطي إذ استغاثه عليه الإسرائيلي : { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } أي : من غمّك بقتلك النفس إذا أرادوا أن يقتلوك . فخلصناك منهم حين هربت إلى أهل مدين . روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ " . ثم قال : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } قال ابن عباس : معناه : اختبرناك اختباراً . وعنه ابتليناك ابتلاء . وعن ابن عباس أيضاً : أنه إنجاؤه موسى من القوم . ومن اليم ومن الذبح حين أخذ بلحية فرعون ، ومن القتل حين قتل القبطي . وذكر ابن جبير عن ابن عباس حديثاً طويلاً في قصة موسى عليه السلام معناه : أن فرعون تذاكر هو وجلساؤه ، ما وعد الله إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً ، فخافوا ذلك فأتمروا بينهم أن يذبح كل مولود ذكر من بني إسرائيل ، فذبحوا كل من وجدوا ، وتمادوا على ذلك ، فقال بعضهم : يوشك أن يفنى بنو إسرائيل لذبحكم الصغار وموت الكبار بآجالهم فتبقون لمباشرة الأعمال والخدمة التي تكفيهم إياها بنو إسرائيل ، فأجمعوا رأيهم على أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً لئلا يفنى بنو إسرائيل ، ولئلا يكثروا ، فحملت أم موسى هارون في السنة التي لا يذبح فيها أحد فولدته علانية آمنة . وحملت بموسى في العام الثاني ، وفيه الذبح ، فوقع في قلبها الهم والحزن . قال ابن عباس : فذلك من الفتون مما دخل على موسى في بطن أمه . فأوحى الله تعالى ذكره إليها ألاّ تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين . وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت ، ثم تلقيه في اليم ، ففعلت ذلك ، ثم أتاها إبليس ، فوسوس إليها ، وقال : لو ذبح ولدك في بيتك لكنت توارينه وتسترينه كان أحب إليك مما ألقيته بيدك إلى حيتان البحر ودوابه ، فانطلق به الماء حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري آل فرعون ، فرأينه ، فأخذنه ، فهممن بفتح التابوت ثم خفن أن يكون في التابوت مال فلا يصدقن عليه / ، فمررن به على حاله إلى امرأة فرعون ، ففتحت التابوت ، فإذا بغلام ، فألقى الله عليه منها محبة لم يلق مثلها على أحد ، وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى ، فأتى الذباحون إلى امرأة فرعون ليذبحوه ، فصرفتهم حتى تستوهبه من فرعون ، فوهبها فرعون إياه ، ومنعهم من ذلك . وذلك من الفتون . وذكر ابن عباس ، أنها لما أتت به إلى فرعون قالت : قرة عين لي ولك . قال فرعون : يكون لك ، وأما أنا فلا حاجة لي فيه . فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي حلف به ، لو أقرّ فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت هي به لهداه الله به كما هدى به امرأته . ولكن الله تعالى حرمه ذلك " . وروي أن امرأة فرعون كان لها جوار لا تشرب الماء إلا من استقائهن ، فأتين يوماً إلى ساحل النيل ليأخذن الماء ، فوجدن التابوت ، فاتفقن على أن لا يفتحن التابوت ، وأن يمضين به إلى مولاتهن على حاله ، فذهبن به إلى امرأة فرعون ففتحته ، فوجدت فيه صبياً لم تر مثله قط ، فألقى الله في قلبها المحبة له ، فأخذته ودخلت به على فرعون ، وقالت له : قرة عين لي ولك فقال فرعون : أما لك فنعم ، وأما لي ، فلا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو قال فرعون نعم هو قرة عين لي لآمن " . فقالت له : فهبه لي ، لا تقتله . فوهبه لها ، فطلبت له المراضع فلم يقبل على ثدي امرأة ، وكان من أمره ما قص الله علينا . قال ابن عباس في حديث طويل معناه : أن امرأة فرعون طلبت له الرضاعة ، فلم يقبل على ثدي أحد فغمّها ذلك حتى أخرجته إلى السوق تطلب له مرضعة ، فأتت أخته فقالت : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فأخذوها وقالوا : ما نصحهم له ؟ هل تعرفونه ، فشكوا في ذلك . قال ابن عباس : وذلك من الفتون . فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في القرب من فرعون ورجاء منفعته ، فتركوها ، فانطلقت إلى أمه ، فجاءت معها ، فلما وضعته في حجرها ترامى إلى ثديها حتى امتلأ جنباه ، وانطلقت البشرى إلى امرأة فرعون أن قد وجدنا لابنك مرضعة فوجهت وراءها ، وجيء بها وبه فقالت لها : امكثي عندي ترضعين ابني هذا ، فإني لم أحب حبه شيئاً قط ، فأبت أم موسى وتعاسرت عليها في القيام عندها ، وتذكرت ما وعدها الله من رده عليها ، وأن الله منجز وعده ، بابنها إلى بيتها من يومها ، فأنبته الله نباتاً حسناً ، فكان بنو إسرائيل يمتنعون من الظلم والسخرة بذمام موسى ، فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى : أرني ولدي ، فوعدتها بالإتيان به ليوم بعينه ، فقالت امرأة فرعون لخواصها وقهارمتها : لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني بهدية وكرامة ، فلما أتت به أمه ، لم تزل الهدية والكرامة والتحف تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون ، فأكرمته هي أيضاً ونحلته وأعجبها ما رأت من حسن أثرها عليه ، وانطلقت به إلى فرعون ليكرمه وينحله ، فدخلت به عليه ، وجعلته في حجره فتناول موسى لحية فرعون حتى مدها ، فقال عدو من أعداء الله لفرعون : هذا من وعد الله إبراهيم أنه سيصرعك ويعلوك فأراد ذبحه . قال ابن عباس : وذلك من الفتون . فقالت امرأته : قد وهبته لي فما بدا لك منه . قال : ألا ترينه يزعم أنه سيصرعني ويعلوني . فقالت : اجعل بيني وبينك أمراً تعرف به الحق . ائت بجمرتين ولؤلؤتين ، فقربهن إليه ، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين فهو يعقل ، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين [ فهو لا يعقل ] ففعل ذلك ، فتناول الجمرتين ، فصرفه الله تعالى عن قتله ، فأقام حتى بلغ مبلغ الرجال ، وانتفع به بنو إسرائيل وامتنعوا به من السخرة والظلم . فبينما هو يمشي في ناحية / من المدينة إذ هو برجلين يقتتلان ، أحدهما من آل فرعون ، والآخر من بني إسرائيل ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني . وقد ضرب الفرعوني الإسرائيلي ، فغضب موسى واشتد غضبه لمعرفته لمنزلة الإسرائيلي وظلم الفرعوني له ، فوكز موسى الفرعوني فقتله . ولم يرهما أحد إلا الله ، فقال موسى صلى الله عليه وسلم حين قتله : هذا من عمل الشيطان ، ثم استغفر الله من قتله ، فغفر له . وأصبح موسى خائفاً يستمع الأخبار ، فبحث القوم عن قاتل الفرعوني فما وجدوا أحداً يخبر به . فمر موسى بذلك الإسرائيلي يقاتل رجلاً آخر فرعونياً ، فاستغاثه أيضاً الإسرائيلي ، فقال موسى للإسرائيلي : إنك لغوي مبين . ثم مد يده للفرعوني ليبطش به ، فظن الإسرائيلي أنه إياه يريد ، لما سمعه قال : إنك لغوي مبين . فقال : يا موسى ، أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس ، فانطلق الفرعوني إلى قومه ، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي ، فخرجوا في طلب موسى . وجاءه رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة فاختصر طريقاً حتى سبقهم ، فأنذر موسى ، قال ابن عباس : وذلك من الفتون . وقال الضحاك : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } : أي : بلاء على بلاء . وقال مجاهد : هو إلقاؤه في التابوت ، ثم في اليم ، ثم التقاط فرعون إياه ، ثم خروجه خائفاً . قوله تعالى ذكره : { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } إلى قوله : { يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } . في الكلام حذف واختصار . والتقدير : وفتناك فتوناً ، فخرجت خائفاً إلى مدين ، فلبثت سنين فيهم . قال : عشر سنين ، كان فيهم في خدمة أجرة مهر زوجته . وقوله : { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } . أي : جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون فيه . هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم . ثم قال : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } . أي : قويتك لتبلغ عبادي أمري ونهيي . وقيل معناه : أخبرتك لتبلغ رسالتي . ثم قال : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } . أي : اذهبا بأدلتي وحججي ولا تفترا ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما ، فذكركما إياي يقوي عزيمتكما . قال ابن عباس : " لا تنيا " : لا تبطئا . وقال مجاهد وقتادة والضحاك : لا تضعفا . وقال ابن زيد : الوافي : الغافل المفرط . ثم قال : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } . أي : تجاوز في الكفر . { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } . أي : كنياه . قاله مجاهد والسدي . وعن السدي أنه قال : قال له موسى عليه السلام : هل لك أن يرد الله عليك شبابك ، ويرد عليك مناكحك ومشاربك ، وإذا مت دخلت الجنة ؟ وتؤمن . فهذا هو القول اللين . فركن فرعون إليه وقال : مكانك حتى يأتي هامان . وقيل : إن فرعون دخل إلى آسية فشاورها فيما قال له موسى . فقالت : ما ينبغي لأحد أن يرد هذا . فقال له هامان : أَتَعبْدُ بعدَما كنُتَ تُعْبَدْ ، أنا أردك شاباً . فخضب لحيته بالسواد . فكان فرعون أول من خضب بالسواد . ودخل إلى آسية فقالت له : حسن إن لم ينصل . وقيل : إن موسى عليه السلام قال له : إن ربنا أرسلنا إليك لتؤمن به وتعبده وتطيعه ، فينسئ في أجلك أربع مائة سنة ، ويملكك في أرضه ولا تبؤس ساعة من نهار ، ثم تصير إلى الجنة ، لا يضرك ما كنت فيه من نعيم الدنيا وسرورها ونضارتها جناح بعوضة . فقال فرعون : دعوني أستشير فاستشار هامان . فقال له : لا ترض . أبعد أن كنت مالكاً تصير مملوكاً . وبعد أن كنت رباً تصير مربوباً . فلم يؤمن لما سبق له في علم الله من الشقاء . وقوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } . قيل : معنى " لعل " هنا الاستفهام . والمعنى : فقولاً له قولاً لينا ، فانظرا هل يتذكر فيراجع ، أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه . قاله : ابن عباس . وقيل : معنى " لعل " هنا : كي . أي : قولا له قولاً ليناً كي يتذكر . كما تقول : اعمل لعلك تأخذ أجرك . أي : كي تأخذ أجرك . وقال الحسن : " لعله يتذكر " هو إخبار من الله عن قول هارون ، وذلك أنه تعالى لما قال له : قولا له قولاً ليناً . قال هارون لموسى : لعله يتذكر أو يخشى . وقيل : إن " لعل " على بابها ، ترج وطمع من المرسلين . والتقدير عند سيبويه : اذهبا أنتما على رجائكما / وطمعكما ومبلغكما من العلم أن يتذكر ، وقد علم الله تعالى أنه لا يتذكر ولا يخشى إلا أن الحجة لا تجب إلا بالإبانة وخروج الفعل إلى الظاهر . وقيل : إن " لعل " و " عسى " في القرآن لم يقعا إلا وقد كانا . فتذكر فرعون وخشيته قد كانت حين أدركه الغرق .