Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 45-53)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } . إلى قوله : { خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } . أي : قال موسى وهارون : يا ربنا إننا نخاف فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا به أن يفرط علينا بالعقوبة . أي يعجل علينا ويقدم علينا . وأصله من التقدم . ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم " أنا فرطكم على الحوض " . ثم قال تعالى : { لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } . أي : إنني أعينكما عليه وأبصركما . أسمع ما يجري بينكما وبينه ، فألهمكما ما تجاوباه وأرى ما تفعلان ويفعل ، فلا أخلي بينكما وبينه . قال ابن جريج : " أسمع وأرى ما يحاوركما ، فأوحي إليكما ، فتجاوباه . ثم قال : { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . أي : أرسلنا ربك إليك ، يأمرك أن ترسل معنا بني إسرائيل ، ولا تعذبهم بما تكلفهم من الأعمال الصعبة . { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } . أي بمعجزة تدل على أنا أرسلنا إليك بذلك إن أنت لم تصدقنا فيما نقول أريناكها { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } . أي : والسلامة لمن اتبع الهدى . وليس السلام هنا تحية . ثم قال : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } . هذا متصل بما قبله . أي : فقولا لفرعون : إنا رسولا ربك ، وقولا له : إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى . أي : إن عذاب الله الذي لا انقطاع له على من كذب برسله وكتبه ، وتولى عن طاعته . ثم قال تعالى : { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } . هذا كلام فيه حذف واختصار . والتقدير : فأتياه [ فقالا ] له ما أمرهما به ربهما . فقال لهما فرعون : { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } اكتفى بخطاب موسى من خطاب أخيه من آخر الكلام . وقد خاطبهما جميعاً قبل ذلك في قوله : " ربكما " وإنما جاز ذلك لأن الخطاب إنما يكون من واحد ، فردّ الخطاب إلى واحد مثله . وقريب منه " نسيا حوتهما " ولم ينسه إلا فتى موسى وحده . دل على ذلك قوله : { فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } . ثم قال تعالى : { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } . أي : قال موسى : ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه . أي : جعل لك ذكر نظير خلقه من الإناث . ثم هداهم لموضع الوطء الذي فيه النماء والزيادة من الخلق . فهدى كل حي كيف يأتي الوطء فيكون التقدير : أعطى كل شيء مثل خلقه . ثم حذف المضاف . قال ابن عباس . معناه : خلق لكل شيء زوجه ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده . وكذلك قال السدي . وقال الحسن : معناه : تمم لكل شيء خلقه ، ثم هداه لما يصلحه . القرون الماضية وكيف تبعث ، فأجابه موسى / بعلمها فقال : علمها عند ربي . ثم قال : { فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } أي علمها في أم الكتاب و { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } . نعتان لكتاب . أي : في كتاب غير ضال الله ، أي : غير ذاهب عن الله وغير ناس الله له . وقيل : إن الكلام قد تم عند قوله : " في كتاب " ثم ابتدأ فقال : " لا يضل ربي " أي : لا يهلك . وقيل : معنى الآية : لا يضل عن ربي علم شيء ، ولا ينسى شيئاً . وقال ابن عباس : لا يخطئ ربي ولا ينسى شيئاً . وقال ابن عباس وقتادة : لا يخطئ ربي ولا ينسى شيئاً . وقال قتادة : قوله : { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } أي فما أعمار القرون الأولى . فوكلها موسى إلى الله فقال : { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي } . وقرأ الحسن وقتادة وعيسى وعاصم الجحدري : { لاَّ يَضِلُّ } بضم الياء وكسر الضاد . أي : لا يضيعه . يقال : ضل فلان منزله يضله إذا أخطأه . وكذلك يقال في كل شيء ثابت ، لا يبرح فيخطئه . فإذا ضاع ما يزول بنفسه مثل : دابة ، وناقة ، وفرس مما ينفلت فيذهب بنفسه ، فإنه يقال : أضل فلان بعيره يضله . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } . أي : فراشاً يتمهدها الناس ، ولم يجعلها خربة خشنة . ومن قرأ " مهداً " فهو : مصدر وصفت الأرض به . أي : ذات مهد . وقيل " مهداً " اسم وصفت الأرض به ، لأن الناس يتمهدونها فهي لهم كالمهد الذي يعرف . وقيل : هما لغتان ، كاللبس واللباس ، والريش والرياش . ثم قال تعالى : { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي : طرقاً . ثم قال : { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي : مطراً . { فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً } خرج إلى الإخبار عن الله جلّ ذكره ، لأن كلام موسى مع فرعون انتهى إلى قوله : " من السماء ماء " . ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بجميل صنعه لخلقه في معاشهم ومعاش أنعامهم فقال : " فأخرجنا به " . وقيل : كله من كلام موسى ، أخبر موسى عن نفسه ، ومن معه بالزراعة والمعالجة في الحرث . فالماء هو سبب خروج النبات وبه تم وكمل . والمعالجة في الحرث وغيره لبني آدم بعون الله لهم وأقداره إياهم على ذلك . فلذلك أخبر عن نفسه فقال : فأخرجنا به أزواجاً . وقد قال تعالى : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } [ الواقعة : 63 ] فأضاف الحرث إلى الخلق ، وهو الزارع المنبث للحرث لا إله إلا هو . أي : أخرجنا بالمطر من الأرض أشباهاً وضروباً من نبات شتى . " وشتى " : نعت للنبات أو للأزواج . ومعناه : مختلفة الأطعمة والرائحة والمنظر .