Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 60-64)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } . إلى قوله : { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } . أي : فأدبر فرعون معرضاً عن موسى وعما جاءه به من الحق ، فجمع مكره وسحرته ، ثم أتى للموعد . قال لهم موسى لما أتوا : { لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } . { وَيْلَكُمْ } نصب على المصدر . وقيل على إضمار فعل . أي : ألزمكم الله ويلاً . وقيل : نصبه على النداء المضاف . { لاَ تَفْتَرُواْ } أي : لا تختلقوا الكذب على الله . أي : لا تقولوا : إن الذي جئتكم به من عند الله سحر ، { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } . قال ابن عباس : معناه : " فيهلككم " . وقال ابن زيد : معناه : ( فيهلككم هلاكاً ليس فيه بقية ) . وقال قتادة : " فيستأصلكم بالهلاك " . وفيه لغتان : سحته واسحته ، إذا أهلكه وأمحقه ، وقد قرئ بهما جميعاً . ثم قال : { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } . أي : خاب من الرحمة والثواب ، من اختلق الكذب . ثم قال تعالى : { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } . أي : تنازع السحرة فيما بينهم . قال قتادة : " قال السحرة بعضهم لبعض : إن كان هذا ساحراً ، فسنغلبه وإن كان من السماء ، فله أمر " وهو قوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } . قال وهب : " جمع كل ساحر حباله وعصيه ، وخرج موسى ، معه أخوه يتكئ على عصاه حتى أتى الجمع ، وفرعون في مجلسه ، معه أشراف أهل مملكته ، فقال موسى للسحرة حين جاءهم : { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فترادد السحرة بينهم ، وقالوا : ما هذا بقول ساحر . وهو قوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي أسر السحرة المناجاة بينهم . وقال وهب : كان سرهم : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } إلى قوله : { مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } . وكذلك قال السدي . ثم قال تعالى ذكره : { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } . أي : قالت السحرة في سرهم وتناجيهم : إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما . وفي حرف ابن مسعود " إن هذان / إلا ساحران " : أي : ما هذان يخفف " إن " يجعلها بمعنى ما . ومن شدد " إن " ورفع " هذان " ، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال : فالأول : أن يكون بمعنى نعم . حكى سيبويه أن " إن " تأتي بمعنى أجل . واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان . واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو " إن هذين " لمخالفتها للمصحف . وقال علي بن أبي طالب : لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول : إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه ، يعني يرفع الحمد يجعل " إن " بمعنى " أجل " . ومعنى : أجل : نعم . ثم يقول : أنا أفصح قريش كلها ، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي . وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ " نعم " ، وكذلك وقعت في أشعارها . قال الشاعر : @ قالت غدرت ، فقلت : إن وربما نال العُلي وشقى الخليل الغادر @@ وقال ابن قيس الرقيات : @ بكرت على عواذ لي يلحينني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه @@ وأنشد ثعلب : @ ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء . @@ أي : نعم . فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر . وقد قيل : إن اللام يراد بها التقديم ، وهو أيضاً بعيد ، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر . لكن الزجاج قال : التقدير : نعم هذان لهما ساحران . فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى ، كما قال : أم الحليس لعجوز شهربة . وقيل : إن اللام يراد بها التقديم . وقيل : هي في موضعها ، و " لعجوز " مبتدأ ، وشهربة الخبر ، والجملة خبر عن اللام . والقول الثاني : ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب ، يقولون : رأيت الزيدان ومررت بالزيدان ، وأنشدوا . @ - فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغاً لنا باه الشجاع لصمماً @@ وأنشدوا أيضاً : @ - تزود منا بين أذناه طعنة على رأسه تلقى العظام من الفم . @@ وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة . وحكى غيره أنها لغة خثعم . وهذا القول قول ، حسن ، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة ، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك ، وقد نقلها أبو زيد ، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به ، فإياه يعني . ورواه الأخفش ، وهو ممن روى عنه سيبويه ، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب ، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها ، كما لا تتغير الدال من زيد ، فجاءت في هذه الآية على الأصل ، كما جاء " استحوذ " على الأصل . والقول الثالث : قاله الفراء . قال : الألف في " هذان " دعامة ، ليست بلام الفعل ، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها ، كما قلت " الذي " ثم زدت عليه نوناً ، ولم أغيرها ، فقلت " الذين " في الرفع والنصب والجر . والقول الرابع : يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان ، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان . والقول الخامس : حكاه الزجاج . قال : القدماء يقولون : الهاء مضمرة ها هنا ، والمعنى : أنه هذان لساحران ، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر . والقول السادس : قاله ابن كيسان ، قال : سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها ، فقلت : القول عندي ، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر ، وكانت التثنية يجب ألا تغير ، أجريت التثنية مجرى الواحد . فقال إسماعيل : ما أحسن هذا ، لو تقدمك أحد بالقول به ، حتى تؤنس به . فقلت : فيقول القاضي به حتى يؤنس به ، فتبسم . والقول السابع : حكاه أبو عمرو وغيره ، أنه من غلط الكاتب . روي أن عثمان وعائشة / رضي الله عنهما قالا : إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها . وعنهما : إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها . وهذا القول قد طعن فيه ، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين ، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط . فأما من خفف " إن " فإنه رفع ما بعدها ، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة ، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف ، إلا أنه أتى بـ " هذان " ، على الوجوه التي ذكرنا ، فأتى بالألف في النصب . فأما من شدد نون " هذان " ، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية . وعن الكسائي والفراء في : " إن هذان " قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك . ثم قال تعالى : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } . أي : يغلبكم على ساداتكم وإشرافكم . يقال للسيد : هو طريقة قومه . ولفظ الواحد والجمع والتثنية سواء . وربما جمعوا فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ، أي أشرافهم وساداتهم . ومنه قوله : { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } . والمثلى : نعت للطريقة ، وهو تأنيث أمثل ، وجاز نعت الجماعة بلفظ التوحيد . كما قال : { هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ طه : 8 ] . ويجوز أن تكون " المثلى " أنثت لتأنيث الطريقة . قال ابن عباس : { بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } أي أمثلكم ، وهم بنو إسرائيل . وقال مجاهد : " أولي العقول والشرف والأنساب " . وقال قتادة : " كانت طريقتهم المثلى يومئذ بني إسرائيل ، كانوا أكثر الناس عدداً وأموالاً وأولاداً " . وقيل : المعنى : ويذهبا بدينكم وسنتكم التي أنتم عليها . وقال ابن وهب : " يذهبا بالذي أنتم عليه من الدين ، وقرأ قول فرعون { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ } [ غافر : 26 ] قال : فهذا قوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن المعنى : ويصرفان وجوه الناس إليهما . ويكون التقدير : ويذهبا بأهل طريقتكم ، ثم حذف ، مثل : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . ثم قال تعالى : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } . أي : اعزموا على أمركم واحكموه . هذا على قراءة من همزة وكسر الميم . فأما من فتح الميم ووصل الألف - وهي قراءة أبي عمرو - فمعناه : فاجمعوا كل كيد لكم وحيلة ، فضموه مع صاحبه . ويشهد له قوله : { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } . وقطع الألف أحسن ، لأن السحرة لم يؤمروا بهذا إلا في اليوم الذي اجتمعوا فيه ، والوقت الذي أظهروا فيه سحرهم ، واستعدوا بما يحتاجون من السحر ، فبعيد أن يؤمروا بجمع ما قد جمعوه واستعدوا به ، وإنما يؤمر بذلك من لم يجمع ما يحتاج إليه ولم يستعد به ، وليس ذلك اليوم إلا يوم استعلاء وفراغ مما يحتاجون إليه من الكيد . ويحسن قطع الألف ، لأن معناه : اعزموا على أمركم وأحكموه . وقوله تعالى : { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } . أي : جيئوا المصلى ، وهو الموضع الذي يجتمعون فيه يوم الوعيد . فيكون { صَفّاً } مفعولاً بـ { ٱئْتُواْ } . ويجوز أن يكون المعنى : ائتوا مصطفين ، ليكون أعظم لأمركم ، وأشد لهيبتكم ، فيكون حالاً . ووحد لأنه مصدر . فهو مصدر في موضع الحال . ثم قال : { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } . أي : قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره . قال وهب : " جمع فرعون الناس لذلك الجمع ، ثم أمر السحرة فقال : { ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } ، أي : من علا على صاحبه بالغلبة " .