Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 91-104)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } إلى قوله : { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } . أي : قال بنو إسرائيل لهارون لما نهاهم عن عبادة العجل : لن نفارق عبادة العجل حتى يرجع إلينا موسى . ثم قال : { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } في الكلام حذف . والتقدير : لما رجع موسى ، قال : يا هارون : ما منعك أن تتبعني بمن لم يعبد العجل على ما كان بيني وبينهم . قال ابن عباس : لما قال القوم : { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } ، أقام هارون بمن معه من المسلمين ممن لن يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وخشي هارون إن مضى في أثر موسى بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى : فرقت بين بني إسرائيل ، ولم ترقب قولي . وكان هارون لموسى مطيعاً . وقال ابن جريج : أمر موسى هارون أن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين فذلك قوله : ما منعك ألا تتبعني أفعصيت أمري أي : ألا تتبع ما أمرتك به من الصلاح عليهم . ثم قال تعالى : { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } . في الكلام حذف ، والتقدير : فأخذ موسى بلحية هارون يجره إليه ، فقال هارون : { يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } . وقيل : المعنى : لا تفعل هذا ، فيتوهموا أنه منك استخفاف وعقوبة . وقيل : إن موسى إنما فعل هذا على غير استخفاف ولا عقوبة ، كما يأخذ الإنسان بلحية نفسه . وقوله : { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } . قال ابن زيد : خشي هارون أن يمضي في أثر موسى بمن بقي معه من المسلمين الذين لم يعبدوا العجل ، ويترك الذين قالوا : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ، فيقول له موسى فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي . أي : جئت بطائفة وتركت طائفة . وهو قول ابن عباس . وقال ابن جريج : معناه : خشيت أن نقتتل فيقتل بعضنا بعضاً . ومعنى : { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } أي : ولم تحفظ قولي . ثم قال : { فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } . أي : فما شأنك ، وما الذي دعاك إلى ما صنعت ؟ قال : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } : أي : علمت ما لم يعلموا . قال ابن جريج : لما قتل فرعون الولدان ، قالت أم السامري : لو نحيته حتى لا أراه ولا أرى قتلته . فجعلته في غار ، فأتى جبريل عليه السلام فجعل كف نفسه في فيه ، فجعل يرضع العسل واللبن ، فجعل يختلف إليه حتى عرفه ، فمن ثم معرفته إياه حين قبض قبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام . وقيل : معنى : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي : أبصرت ما لم يبصروا يعني : فرس جبريل . ومن قرأ بالياء ، جعله إخباراً عن بني إسرائيل . ومن قرأ بالتاء . جعله خطاباً لموسى وبني إسرائيل . ثم قال : { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } . أي : من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام . وقرأ الحسن وقتادة : فقبصت قبصة بالصاد غير المعجمة ، وذلك الأخذ بأطراف الأصابع . " والقبضة " على قراءة الجماعة قبضك على الشيء بملء كفك مرة واحدة . " والقُبضة " بضم القاف ، مقدار ما يقبض كالغرفة والغرفة . وقوله : { فَنَبَذْتُهَا } . أي : ألقيتها في العجل ليخور . { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } . أي : زيّنت لي نفسي أن الحلي إذا سبك وألقيت فيه القبضة أنه يصير عجلاً جسداً . وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال / : " لما خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل السبعين رجلاً ، أمرهم أن ينتظروه في أسفل الجبل ، وصعد موسى الجبل وكلمه الله أربعين يوماً وليلة ، وكتب له في الألواح وأن بني إسرائيل عدوا عشرين يوماً وعشرين ليلة ، فاستبطأوا موسى بعد ذلك ، فاتخذوا العجل من بعده ، قال : فبلغنا - والله أعلم - أن الله قال لموسى عند ذلك أن قومك قد اتخذوا العجل من بعدك ، قال : عجلاً جسداً له خوار . فقال موسى : رب ، من جعله لهم ؟ فقال : السامري ، فقال موسى : رب ، السامري جعل لهم العجل وأنت فتنت قومي بالخوار ، وجعلت الروح فيه ، فما أصنع ؟ فرجع موسى إلى قومه معه السبعون رجلاً ، ولم يخبرهم موسى بالذي أحدث بنو إسرائيل بعده من عبادة العجل ، وبالذي قال له ربه ، فلما غشي موسى ومن معه محلة قومه ، سمع اللغط حول العجل ، فقال السبعون الذين معه : ما هذا في المحلة ؟ أقتال ؟ فقال موسى صلى الله عليه وسلم : ليس بقتال ، ولكنه صوت الفتنة ، فلما دخل موسى ، ونظر إلى ما يصنع بنو إسرائيل حول العجل ، غضب ، فألقى الألواح ، فتكسرت ، وصعد عامة الذي كان فيها من كلام الله وأخذ موسى برأس أخيه يجره إليه ، فقال له هارون : يا أخي { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ، فأرسله ثم أقبل على السامري ، فقال : ما خطبك يا سامري ، ولِمَ صنعت ما أرى ، فقال له ما نص الله علينا ، فأمر موسى بالسامري أن يخرج من محلة بني إسرائيل ، وأن لا يخالطهم في شيء ، وأمر بالعجل فذبح ، ثم أحرقه بالنار ، ثم ذراه في اليم ، ثم أتاهم موسى بكتاب ربهم فيه الحلال والحرام ، والفرائض والحدود فلما نظروا إليه قالوا : لا حاجة لنا في الذي آتيتنا به ، فإن العجل الذي حرقت كان أحب إلينا من الذي آتينا به فلسنا بقابليه ولا آخذين بما فيه . فقال موسى : رب إن عبادك بني إسرائيل قد ردوا كتابك وكذبوا نبيك ، فأمر الله تعالى الملائكة فرفعوا الجبل فغشوا به بني إسرائيل حتى ظلوا به عسكرهم ، فحال بينهم وبين السماء ، فقال موسى صلى الله عليه وسلم : إما أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه ، وإما أن يلقى عليكم الجبل ، فقالوا : سمعنا وعصينا الذي جئتنا به ، ثم أخذوا ولم يجدوا من أخذه بداً ، فرفع عنهم الجبل فنظروا في الكتاب ، فبين راض وكاره ومؤمن وكافر فعفا الله تعالى عنهم ، فهو قوله : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . [ ثم قال : وكذلك سولت لي نفسي ] . وقال ابن زيد : كذلك حدثتني نفسي . ثم قال تعالى جلّ ذكره : { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } . أي : قال موسى للسامري : فاذهب فإن لك في حياة الدنيا : أي : أيام حياتك أن تقول لا مساس ، أي لا أمس ، أي : عقوبتك في الدنيا أن لا تكلم ولا تخالط . وقيل : معناه : لك في [ الحياة ] الدنيا أن تعيش مع البهائم والسباع والوحوش في البرية ، مستوحشاً لا تقرب أحداً ولا تمس أحداً ولا يمسك أحد . وروي أن موسى عليه السلام أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ، ولا يخالطوه ولا يبايعوه ، فلذلك قال له : أن تقول لا مساس وذلك فيما يذكر في قبيلته إلى الآن . وقال قتادة : كان السامري عظيماً من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة ولكن عدو الله نافق بعدما قطع البحر مع بني إسرائيل . وقال ابن جبير : كان من أهل كرمان . وقوله : { لاَ مِسَاسَ } منصوب على التبرئة كـ ( لا رجل في الدار ) . ويجوز : { لاَ مِسَاسَ } بكسر السين وتبنيه على الكسر . ثم قال : { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } يعني القيامة . ومن كسر اللام ، أراد لن تغيب عنه ، وهو قول قتادة ، أي : تأتي إليه طائعاً أو كارهاً وفيه معنى التهديد والوعيد ، ولفظه لفظ الخبر . ومن فتح اللام ، أراد لن يخلفكه الله ، ثم رد إلى ما لم يسم فاعله . ثم قال : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } . أي : انظر إلى العجل الذي عبدته من دون الله ، وأقمت بعدي على عبادته لنحرّقنّه بالنار قطعة بعد قطعة ، لأن في التشديد معنى التكثير . وقرأ الحسن : بتخفيف الراء على معنى : لنحرقنه / مرة واحدة . وقرأ أبو جعفر القارئ : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بفتح النون وضم الراء ، بمعنى لنبردنه بالمبارد ، يقال : أحرقه وحرقه بالنار ، يحرقه ويُحَرِّقه : إذا نحته بمبرد أو غيره . وقراءة أبي جعفر تروى عن علي وابن عباس . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أمر موسى بالعجل فبرد في البحر فلم يشرب منه أحد ممن عبد العجل إلا اصفّر لونه ، فقالوا : ما توبتنا قال : أن يقتل بعضكم بعضاً ، فأخذوا السكاكين ، فكان الرجل يقتل أباه وأخاه حتى قُتِلَ منهم سبعون ألفاً ، فأوحى الله إليه : مرهم فليرفعوا القتل ، فقد رحمت مَن قتل منهم ، وقد تبت على مَن بقي . وقوله : { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } أي : لنذرينه في البحر ذرواً . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } . أي : إنما معبودكم الذي تجب له العبادة والإخلاص لله الذي لا معبود إلا هو ، وسع كل شيء علماً أي : أحاط بكل شيء علماً فلا يَخفى عليه شيء . قال قتادة : معناه : ملأ كل شيء علماً . يقال : فلان يسع هذا الأمر ، إذا أطاقه وقَوِيَ عليه . ثم قال تعالى : { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } . أي : كما قصصنا عليك يا محمد خبر موسى وقومه ، كذلك نقص عليك من أخبار من قد سبق قبلك مما لم تشاهده ولا عاينته . ثم قال : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } . أي : وقد أعطيناك يا محمد من عندنا ذكراً تتذكر به وتتعظ . وهو القرآن . { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } . أي : من لم يؤمن به ويعمل بما فيه ، فإنه يحمل يوم القيامة إثماً عظيماً { خَالِدِينَ فِيهِ } أي : [ ماكثين ] في عقوبته في النار . ثم قال تعالى وجل ثناؤه : { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } . أي : وساء لهم الوزر حملاً . أي : بئس الوزر لهم . يعني ذنوبهم . ثم قال تعالى : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } . { يَوْمَ } بدل من يوم الأول ، والمعنى : يوم ينفخ ملك الصور فيه . ثم رد إلى ما لم يسم فاعله ، وكانت الياء أولى عند من قرأ بها ، لأن النفخ في الصور لا يتولاه الله جل ذكره ، إنما يتولاه الملك ، بأمره وقدرته . ولا حجة في " ونحشر " لأن النافخ الملك والحاشر الله . ومَن قرأه بالنون ، فلأن بعده ، ونحشر فأتى بالفعلين على الإخبار عن الله جل ذكره للمطابقة لأن الله تعالى هو الفاعل لجميع الأحوال المقدر لها . ثم قال تعالى : { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } . أي : زرق الأعين من العطش الذي يكون بهم في الحشر . وقال ابن عباس : يكونون يوم القيامة في حال عمياً ، وفي حال زرقاً . وقال جماعة زرقاً : عمياً . ويروى : أنهم يقومون من قبورهم يبصرون ، ثم يصيرون عمياً . ويروى : أنهم لا يبصرون شيئاً إلا جهنم . وقيل : زرقاً شعثين متغيرين كلون الرماد . ثم قال : يتخافتون بينهم . أي : يسرون القول بينهم ، يقولون بعضهم لبعض ، إن لبثتم في الدنيا إلا عشراً . وأصل الخفت في اللغة السكون . أي : ما لبثتم من النفخة الأولى إلى البعث ، إلا عشراً ، وبين النفختين أربعون سنة . ثم قال : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } أي : نحن أعلم بسرهم إذ يقول : أمثلهم طريقة أي : أعلمهم في أنفسهم إن لبثتم إلا يوماً ، وذلك من شدة هول المطلع ، ينسون ما كانوا فيه في الدنيا من النعيم وطول العمر حتى يتخيل إليهم من شدة ما هم فيه أنهم لم يعيشوا في الدنيا إلا يوماً واحداً . وقيل : ذلك تقديرهم فيما بين النفختين . وقيل : عني بذلك إقامتهم في القبور ، ظنوا أنهم لم يلبثوا فيها إلى يوماً بعد انقطاع العذاب عنهم في القبور ، لأنهم في طول مكثهم يعذبون ، ثم ينقطع عنهم العذاب فيما بين النفختين .