Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 11-23)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } إلى قوله : { عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } . المعنى : وكثيراً أهلكنا من أهل القرى كانوا ظالمين بكفرهِم فـ " كم " في موضع نصب بقصمنا ، وهي خبر ، وفيها معنى التكثير . وانقصم أصله الكسر . يقال انقصم سنه ، وقصمت ظهر فلان ، أي : كسرته . وروى ابن وهب عن بعض رجاله ، أنه كان باليمن قريتان ، فبطر أهلها وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم ، فبعث الله تعالى إليهم نبياً فدعاهم ، فقتلوه ، فألقى الله في نفس بخت نصر غزوهم ، فبعث إليهم جيشاً ، فهزموه ، ثم بعث آخر فهزموه . فخرج إليهم بنفسه ، فهزمهم ، فخرجوا يركضون فسمع مناد يقول : { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ } . فرجعوا ، فسمعوا صوتاً يقول : يا لثارات النبي فقتلوا كلهم . فهي التي عنى الله في هذه السورة حصدوا بالسيف . قال مجاهد : " قصمنا " : أهكلنا . وجرى الخبر عن القرية والمراد أهلها ، لأن المعنى مفهوم . ثم قال : { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } أي : أحدثنا بعد إهلاك هؤلاء الظالمين قوماً آخرين سواهم . ثم قال : { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } . أي : فلما عاين هؤلاء الظالمون من أهل القرى العذاب ، ووجدوا مسه ، إذا هم مما أحسوا يركضون . أي : يهربون سراعاً يعدون . وأصله من ركض الدابة إذا حركت رجليك عليها فعدت . فقوله : { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } . لا يرجع إلى قوله : { قَوْماً آخَرِينَ } لأنه لم يذكر لهم ذنباً يعذبون من أجله ، لكنه راجع إلى قوله : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } . ثم قال : { لاَ تَرْكُضُواْ } . أي : لا تفروا ولا تهربوا . { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } . أي : إلى ما أنعمتم فيه من عيشكم وإلى ، { وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي : تسألون عن دنياكم شيئاً . على وجه السخرية بهم والاستهزاء . قاله : قتادة . وقال مجاهد : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي : تنتهون . وقيل : معناه : لعلكم تسألون شيئاً مما شغلكم عما لكم فيه الصلاح ، على التهدد . وقيل : معناه : لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة وعاينتموه من العذاب . ثم قال تعالى : { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } . أي : قالوا لمّا حلَّ عليهم العذاب : يا ويلنا . وهي كلمة يقولها من وقع في هلكة وتقال لمن وقع في هلكة . { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } بكفرنا بربنا . ثم قال تعالى : { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } . أي : فما زالت تلك الكلمة دعواهم وهي الدعاء بالويل ، والإقرار بالظلم . { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } . أي : حتى هلكوا فحصدوا من الحياة كما يحصد الزرع فصاروا مثل الحصيد من الزرع . { خَامِدِينَ } أي : قد سكنت حركتهم كما تخمد النار فتطفأ . قال الضحاك ومقاتل ومجاهد : " حصدوا قتلاً بالسيف " . قال قتادة : " لما عاينوا العذاب ، لم يكن لهم هِجِّيرَي إلا قولهم : يا ويلنا ، إنا كنا ظالمين . حتى دمّر الله تعالى عليهم فأهلكهم . قال ابن عباس : " خامدين خمود النار ، أي طفئت ولم ينتفعوا بالإيمان والندم / عند معاينة العذاب ، لأنه وقت قد رفع عنهم فيه التكليف . وإذا رفع التكليف ، ارتفع القبول . وإنما القبول منوط بالتكليف . ثم قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } . أي : ما خلقناهما لعباً وعبثاً ، إنما خلقناهما حجة عليكم أيها الناس ، لتعتبروا وتعلموا أن الذي خلقهما ودبرهما لا يشبهه شيء ، وإنه لا تكون العبادة إلا له . وقيل : المعنى ، ما خلقناهما وما بينهما لعباً ولا باطلاً ، أي : ليظلم بعض الناس بعضاً ، ويكفر بعضهم ، ويخالف بعضهم ما أمر به ، ثم يموتوا فلا يجازون بأفعالهم . وقيل : المعنى : ما خلقناهما لعباً ، بل خلقناهما ليؤمر الناس بحسن وينهوا عن قبح . ثم قال تعالى : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } . أي : زوجة وولداً ، { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } أي : من عندنا . أي مما نخلق . لكنا لا نفعل ذلك ، ولا يصلح لنا فعله . قال الحسن : اللهو : المرأة . وقاله مجاهد . وقال قتادة : اللهو بلغة أهل اليمن - المرأة . وقال ابن عباس : " لهواً : ولداً " . وقيل : لهواً : نكاحاً . وقوله : { إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } . أي : ما كنا فاعلين . قاله قتادة . وقيل : إن : للشرط . والتقدير : إن كنا فاعلين ، ولسنا ممن يفعله . وقال ابن جريج : " قالوا : مريم صاحبته ، وعيسى ولده . تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . فأنزل الله : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ } الآية . ومعنى : " من لدنا " عند ابن جريج : " من عندنا من أهل السماء ولم نتخذه من أهل الأرض الذين تلحقهم الآفات والنقص " . { إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } أي : ما كنا نفعل ذلك . ثم قال تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ } . قال مجاهد : الحق : القرآن ، والباطل الشيطان . وكذلك كل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان عنده . وتقديره في العربية ذو الباطل فتقديره : بل ننزل القرآن على الكفر وأهله { فَيَدْمَغُهُ } أي : فيهلكه . ولذلك قيل للشجة التي تبلغ الدماغ : ( الدامغة ) وقيل من سلم منها . قوله { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } . أي : ذاهب مضمحل . ثم قال تعالى : { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } . أي : ولكم الويل من وصفكم ربكم بغير صفته بقولكم : إنه اتخذ ولداً وزوجة . وقيل : معناه : ولكم واد في جهنم يستعيذ أهل جهنم منه . ثم قال تعالى : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ } . أي : كيف يجوز أن يتخذ ولداً من له من في السماوات والأرض ، ومن عنده من الملائكة الذين ادعيتم أنهم بنات الله لا يستكبرون عن عبادتهم إياه { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } أي : ولا يعيون ولا ينقطعون عن عبادته . " وعند " في هذا بمعنى : قرب المنزلة عند الله لهم ، وليس بمعنى قرب المسافة ، لأنه لا تحويه الأمكنة فقد علمتم أنه ليس يستعبد والد ولده ، ولا صاحبته ، وكل من في السماوات والأرض عبيده ، فكيف يكون له صاحبة وولد ، أفلا تتفكرون فيما تفترون من الكذب على ربكم . ثم قال تعالى : { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } . أي : لا يكلون من تسبيحهم . قال كعب : " التسبيح لهم بمنزلة النفس لبني آدم " . وعنه أنه قال : " ألهموا التسبيح كما ألهمتم الطرف والنفس " . وذكر علي بن معبد أن عمر بن الخطاب قال لكعب : خوفنا يا كعب . فقال : " إن لله عز وجل ملائكة من يوم خلقهم قيام ، ما ثنوا أصلابهم ، وآخرين ركوعاً ما رفعوا أصلابهم ، وآخرين سجوداً ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة ، فيقولون جميعاً : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك كما ينبغي لك أن تعبد ثم قال : والله لو أن رجلاً عمل عمل سبعين نبياً لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ ، والله لو دلي من غسلين دلو واحد من مطلع الشمس ، لغلت منه جماجم قوم في مغربها والله لتزفرن جهنم زفرة ولا يبقى ملك مقرب إلاّ خرّ جاثياً على ركبتيه " . وروى ابن المبارك في حديث عن بعض شيوخه : " أن ملكاً لما استوى الرب جل ذكره على عرشه سجد فلم يرفع رأسه ولا يرفعه إلى يوم القيامة . فيقول يوم القيامة : لم أعبدك حق عبادتك ، إلا أني لم أشرك بك شيئاً ، ولم أتخذ من دونك ولياً " . وعن عبد الله بن عمرو أنه قال : " إن الله جزأ الخلق عشرة أجزاء ، فجعل الملائكة تسعة أجزاء ، وسائر الخلق جزء . وجزأ الملائكة / عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءاً لرسالته . وجزأ سائر الخلق عشرة أجزاء فجعل الجن تسعة أجزاء ، وسائر بني آدم جزءاً . وجزأ بني آدم عشرة أجزاء ، فجعل يأجوج ومأجوج تسعة أجزاء ، وسائر بني آدم جزءاً " . وعنه أيضاً أنه قال : " الملائكة عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منهم الكروبيون الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وجزءاً واحداً لرسالته ولما شاء من أمره " . وقال ابن عباس : " كل تسبيح في القرآن ، يعني : به الصلاة " . ثم قال تعالى : { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } . أي : اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض : { هُمْ يُنشِرُونَ } أي : هذه الآلهة تحيي الموتى . بل الله هو الذي يحيي الموتى . وقرئ { هُمْ يُنشِرُونَ } بفتح الياء . والمعنى : هم يحيون فلا يموتون أبداً ، كالله الحي الذي لا يموت . ثم قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } . أي : لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله . و " إلا " بمعنى : غير : فاعرب الاسم الذي بعد " إلا " كإعراب " غير " لو ظهرت فرفع . هذا مذهب البصريين وسيبويه . وقال الفراء : " إلا " بمعنى سوى . ومعنى الآية : لو كان المعبود آلهة أو إلهين لفسد التدبير ، لأن أحدهما يريد ما لا يريد الآخر ، فإذا تم ما أراد أحدهما ، عجز الآخر . والعاجز لا يكون إلهاً . وإذا فسد وجود إلهين أو آلهة ، ولم يكن بد من خالق مقدر للأشياء ، يقدم المقدم منها ، ويؤخر المؤخر منها ، ويوجدها بعد عدمها ، ثبت أنه واحد . ثم قال تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي : فتنزيه لله تعالى وتبرئة له عما يفتري عليه هؤلاء المشركون من الكذب . ثم قال تعالى : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } . أي : لا سائل يتعقب عليه فيما يفعله بخلقه من حياة وموت وصحة ومرض ، وغير ذلك وجميع الخلق . مسؤولون عن أفعالهم ، ومحاسبون عليها .