Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 4-10)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله : { فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أي : قل يا محمد : ربي يعلم قولكم بينكم ، { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } ويعلم غير ذلك في السماوات والأرض وهو السميع لجميع ذلك / ، العليم بجميع خلقه ، فيجازي كلا على قدر أعمالهم . ثم قال تعالى : { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } . أي : بل قال المشركون : الذي جاء به محمد أضغاث أحلام . أو هم أضغاث أحلام . أي : لم يصدقوا بالقرآن ، ولا آمنوا به ولكن قالوا : هو أضغاث أحلام ، أي رؤيا رآها في النوم . " والأضغاث " الأخلاط . ومنه { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } . وقال بعضهم : بل هي فرية واختلاق من عند نفسه . وقال بعضهم : بل محمد … شاعر ، فنقض بعضهم قول بعض . ثم قالوا بعد ذلك . ونقضوا قولهم كلهم ورجعوا عن ما قالوا ، فقالوا : { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } أي : بل يأتينا محمد بآية تدل على صدقه ، كما جاءت به الرسل قبل محمد ؟ من مثل الناقة ، وإحياء الموتى وشبهه . وذلك منهم تعنت ، لأن الله تعالى قد أعطاه من الآيات ما لهم فيها كفاية ، وإنما دخلت " بل " في هذا وليس في الكلام جحد لأن الخبر عن أهل الجحود والتكذيب ، فدخلت " بل " لذلك . ثم قال تعالى ذكره : { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ } . في هذه الآية بيان لإثبات القدر ، لأن المعنى : أن امتناع من تقدم من الكفار من الإيمان حتى هلكوا لا يوجب امتناع من بعدهم ، لكن كل ذلك بقدر من الله جل ذكره ؛ وتحقيق المعنى على قول المفسرين ، ما آمن قبل هؤلاء الذين كذبوا محمداً من أهل قرية عذبناها بالهلاك في الدنيا إذ كفروا بعد مجيء الآية . { أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } استفهام معناه التقرير . أي : فهؤلاء المكذبون محمداً السائلون الآية ، يؤمنون إن جاءتهم آية . فلم يبعث الله تعالى إليهم آية لعلمه أنهم يكذبون بها ، فيجب عليهم حلول العذاب . وقد تقدم في علمه أن ميعادهم الساعة . قال تعالى : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [ القمر : 46 ] . فلما كان أمر هذه الأمة وعقوبتها ، أخّرها الله إلى قيام الساعة ، لم يرسل إليها آية مما اقترحوا به من الآيات التي توجب حلول العذاب عليها إذ كفرت بعد ذلك كما فعل بالأمم الماضية . ثم قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } أي : وما أرسلنا قبلك يا محمد من الرسل إلا رجالاً مثل الأمم المرسل إليها . يوحي الله إليهم ما يريد . أي : لم يرسل ملائكة ، فما أنكر هؤلاء من إرسالك إليهم وأنت رجل مثلهم ؟ وهذا جواب لقول المشركين : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . ثم قال : { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . أي : اسألوا : أهل الكتب التي نزلت قبل كتابكم ، يخبرونكم أنه لم تكن الرسل التي أتتهم بالكتب إلا رجالاً مثلهم . قال سفيان : " يريد : اسألوا من أسلم من أهل التوراة والإنجيل " . ويراد بالذكر : التوراة والإنجيل . وروي عن عبد الله بن سلام : أنه قال : " نزلت في { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } فهذا يدل على أن " الذكر " التوراة . وقال قتادة : { أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } : " أهل التوراة " . وقيل : { أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } " أهل القرآن " من آمن منهم . وقال علي : " نحن أهل الذكر " . وقال ابن زيد : " الذكر : القرآن . لقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } " . ثم قال تعالى : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } . أي : وما جعلنا الرسل الذين أرسلنا في الأمم الخالية ، جسداً لا يأكلون الطعام . أي : لم نجعلهم ملائكة ، ولكن جعلناهم مثلك ، يأكلون الطعام . وقال قتادة : معناه : " ما جعلناهم جسداً إلا ليأكلوا الطعام " . وقال الضحاك : معناه : " لم أجعلهم جسداً لا روح فيه ، لا يأكلون الطعام ، ولكن جعلناهم أجساداً فيها أرواح يأكلون الطعام " . والجَسَدُ وُحِّدَ وقَبلَهُ جماعة ، لأنه بمعنى المصدر ، كأنه قال : وما جعلناهم خلقاً لا يأكلون الطعام . والتقدير : ذوي جسد . وهذا جواب لقولهم { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } [ الفرقان : 7 ] . فأعلمهم [ الله ] أن الرسل تأكل الطعام ، وأنهم يموتون . وهو معنى قوله : وما كانوا خالدين . ثم قال تعالى : { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ } . أي : صدقنا الرسل الوعد بإهلاك قومهم إذ سألوا الآيات ، فأتتهم وكذبوا بها . كقوله تعالى : { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ } [ المائدة : 115 ] . { فَأَنجَيْنَاهُمْ } . أي : أنجينا الرسل لما أتى العذاب لأممها . { وَمَن نَّشَآءُ } أي : وأنجينا من نشاء ، يعني : من آمن بالرسل ، { وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } يعني : الذين أسرفوا / على أنفسهم فكذبوا الآيات بعد أن أتتهم ، فازدادوا كفراً بذلك ، فهو إسرافهم . ثم قال تعالى : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } . يخاطب قريشاً . أي : فيه شرفكم إن آمنتم به ، لأنه عليكم نزل ، وبلغتكم . وهو قوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } قاله ابن عباس . وقال مجاهد : { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي : حديثكم . وقال سفيان : " نزل القرآن بمكارم الأخلاق " ، فهو شرف لمن اتبعه وآمن به . والذكر : يستعمل بمعنى الشرف : يقال فلان مذكور في هذا البلد ، إذا كان فيه رفيعاً مذكوراً بالشرف والفضل . وقيل : معناه : فيه [ ذكركم أي ] : ذَكَّرْنَاكُم به أَمْرَ دينكم وأمر آخرتكم ومعادكم فجعله ذكرهم ، إذ كان به يذكرهم ما وصفنا . وقد قال الله تعالى : { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ ص : 46 ] . أي اخترناهم ليذكروا أمر معادهم وآخرتهم . وفيه قول آخر ، تراه في موضعه . وقوله : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . تقرير توبيخ وتنبيه على فهم ذلك وقبوله [ أي ] : أفلا تعقلون أن ذلك على ما أخبرناكم به .