Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 24-30)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } إلى قوله : { كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } . المعنى : اتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة تنفع وتضر ، وتحيي وتميت . قل لهم يا محمد هاتوا برهانكم إن كنتم تزعمون أنكم محقون في أقوالكم أي : هاتوا حجة ودليلاً على صدقكم . وقيل : معناه : بل اتخذوا آلهة . وهو بعيد لقوله : " هم ينتشرون " لأنه يصير أنه أوجب ذلك لهم . وذلك لا يجوز . ثم قال : { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } ، أي : هذا الذي جئتكم به من القرآن خبر من معي مما لهم من ثواب الله على إيمانهم ، وما عليهم من عقاب الله على معصيتهم إياه ، وكفرهم به . " وذكر من قبلي " من الأمم التي سلفت قبلي . أي خبرهم ، وما فعل الله بهم في الدنيا ، وما هو فاعل بهم في الآخرة . قال قتادة : " ذكر من معي " القرآن فيه الحلال والحرام . " وذكر من قبلي " ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم ، وما هو صانع بهم وإلى ما صاروا . وقال ابن جريج : معناه : هذا حديث من معي ، وحديث من قبلي . وقيل : المعنى : " وذكر من قبلي " يعني الكتب المتقدمة . أي : هذا القرآن وهذه الكتب المتقدمة لا يوجد في شيء منها . أن الله اتخذ ولداً ، ولا كان معه إله . فالمعنى على هذا أنه جواب ورد لقوله : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } . وقوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } أي : هذا ذكر من معي وهو القرآن وذكر من قبلي وهو التوراة والإنجيل هل فيهما أن العبادة للآلهة أو فيهما أن الله تعالى أذن لأحد أن يتخذ إلهاً من دونه . وهل فيهما إلا أن الله إله واحد . ودل على ذلك كله أيضاً قوله بعد ذلك : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } . وقرأ يحيى بن يعمر " هذا ذكر " من معي " وذكر " من قبلي بالتنوين وكسر الميم من " مِن " وتقديره : هذا ذكر مما أنزل إلي وذكر مما قبلي . وأنكر أبو حاتم هذه القراءة ، ولم يعرف لها وجهاً . ثم قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ } أي : لا يعلمون الصواب من الخطأ . فهم معرضون عن الحق جهلاً به . وقال قتادة : " معناه : فهم معرضون عن كتاب الله . وقرأ الحسن : " الحقُّ " بالرفع ، على معنى : هذا الحق ، أو هو الحق . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } . أي : ما أرسلنا الرسل من قبلك يا محمد إلا بالتوحيد وإلا بالعبادة لله وحده ، فهذا الأصل الذي لا بد منه / ، والشرائع بعد ذلك تختلف ، في التوراة شريعة ، وفي الإنجيل شريعة ، وفي القرآن شريعة . كما قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } . أي : قال الكافرون بربهم اتخذ الرحمان ولداً من ملائكته " سبحانه " ينزه نفسه ويبرؤها مما قالوا : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } . أي : بل هم عباد مكرمون ، أي : بل الملائكة الذين جعلوهم بنات الله عباد مكرمون . وقيل : عنى به ، الملائكة وعيسى عليهم السلام . قال قتادة : " قالت اليهود إن الله جل ذكره صاهر الجن ، فكانت منهم الملائكة ، فقال الله تكذيباً لهم : " بل هم عباد مكرمون " . وعنه أيضاً أنه قال : قالت اليهود وطوائف من الناس ذلك . ثم قال : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } . أي : لا يتكلمون إلا بما أمرهم به قاله قتادة . { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } أي : لا يأمرون حتى يأمر . وقيل : يعملون ما أمروا به . ثم قال تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } . أي : يعلم ما بين أيدي ملائكته مما لم يبلغوه وهم قائلون وعاملون . { وَمَا خَلْفَهُمْ } أي : وما مضى قبل اليوم مما خلفوه وراءهم من الأزمان والدهور وما عملوا فيه . قال ابن عباس : معناه : " يعلم ما قدموا وما أضاعوا من أعمالهم " . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } . أي : لا يشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه . قال ابن عباس : " إلا لمن ارتضى " أي : ارتضى له بشهادة أن لا إله إلا الله وهذا من أبين الدلالة على جواز الشفاعة بشرط الرضا من الله عز وجل وقال مجاهد : " لمن رضي عمله " . ثم قال : { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } . أي : من خوف الله وحذر عقابه حذرون خائفون . ثم قال : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } . أي : من يقل من الملائكة إني إله من دون الله فَثَوَابُهُ جهنم . وقيل : عنى به إبليس ، لأنه كان من الملائكة ، ولم يقل ذلك أحد من الملائكة غيره . قاله : ابن جريج وقتادة . ثم قال : { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } . أي : كذلك نجزي كل من عبد غير الله ، أو ادعى ما لا يجب له من الألوهية . ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } . أي : أو لم يعلم هؤلاء المشركون بقلوبهم فيعلمون أن السماوات والأرض كان كل واحد منهما لا صدع فيه . لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض ، { فَفَتَقْنَاهُمَا } . أي : فصدعهما الله بالماء والنبات ، فأنزل الله من السماء الماء ، وأخرج من الأرض النبات . هذا معنى قول عكرمة . قال : " فتقت السماء بالمطر ، وفتقت الأرض بالنبات وهو قوله : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } [ الطارق : 11 - 12 ] وهو أيضاً قول عطية وابن زيد . وهذا القول اختيار الطبري ، لأن بعده : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } أي : من الماء الذي فتقنا السماء به . ووحد رتقاً ، لأنه مصدر . يقال : رتق فلان الفتق . إذا سده ، فهو يرتقه رتقاً . وقيل : معنى الآية كانتا ملتصقتين ففصلنا بينهما بالهواء ، قاله : الحسن وقتادة . وقال مجاهد : " كانت السماء مرتتقة طبقة واحدة ، ففتقها الله سبع سماوات . وكذا الأرض . وهو قول أبي صالح والسدي . وعن ابن عباس أن المعنى : " أن السماء والأرض كانتا ملتصقتين بالظلام لأن الليل خلق قبل النهار ، ففتقهما الله تعالى بضوء النهار " . وقوله : " إن السماوات " تدل على قول مجاهد . وقد قيل : إنما قال السماوات يريد به السماء ، لأن كل قطعة منها سماء . وقيل : إنما قال " السماوات " لأن المطر روي أنه ينزل من السماء السابعة . وروي أنه ينزل من الرابعة . وقد قالوا : ثوب أخلاق ، فجمعوا لأن كل قطعة منه خلقة ، فجمع لأن فيها قطع كثيرة . وقوله : " كانتا " ، ولم يقل " كنَّ " ، فإنما كان ذلك لأنهما صنفان ، كما قال تعالى : { يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [ فاطر : 41 ] وقيل : إنما كان ذلك لأن السماوات كانت سماء واحدة ، فعبر على الأصل . وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } . أي : كل شيء له حياة وموت كالإنسان والبهيمة والزرع والشجر ، لأن لها موتاً إذا جفت ويبست فحياة جميع ذلك بالماء . وقيل : هو حياة جميع الحيوان ، إنما جيء بالماء الذي بنباته يعيش كل [ شيء ] حي . وقيل : عنى بالماء هنا ، النطفة خاصة .