Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 31-37)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } . إلى قوله { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } . أي : وجعلنا الأرض جبالاً لئلا تميد بالناس . قال قتادة / : " كانوا على الأرض تمور بهم ، ولا يثبت عليها بناء فأصبحوا وقد خلق الله الجبال أوتاداً حتى لا تميد الأرض " . والميد التحرك والدوران . ثم قال تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } . قال قتادة : " فجاجاً " : إعلاماً . " سبلاً " : طرقاً . قال ابن عباس : " وجعلنا فيها فجاجاً " أي : في الرواسي . وعنه : " الفجاج " كل شعب في جبل أو واد له منفذ . وعنه أيضاً : " فجاجاً " بين الجبال . والفج في اللغة ، الطريق بين الجبلين . وقيل : الضمير في فيها يعود على الأرض ، وهو اختيار الطبري لقوله تعالى : { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } . أي : يهتدون إلى السير في الأرض . والأرض تؤنث وتذكر . والتأنيث أكثر . وحكى أبو زيد أرضون وأراض وأروض في جميع الأرض . ويجوز في القياس أرضات . ثم قال تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } . أي : سقفاً للأرض محفوظاً بالملائكة من الشياطين . وقيل : معناه : محفوظاً من أن يقع على الأرض . وقيل : محفوظاً بالنجوم من الشياطين . وهو أولى ، ودليله قوله تعالى ذكره : { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 7 ] . وقال ابن جبير : السماء بحر مكفوف . ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وروى الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السماء موج مكفوف " . قال قتادة : { سَقْفاً مَّحْفُوظاً } أي : مرفوعاً ، وموجاً مكفوفاً . ثم قال تعالى : { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } . أي : وهم عن شمسها وقمرها ونجومها وغير ذلك من آياتنا ، معرضون عن التفكر فيها ، وتدبر ما فيها من الحجج والدلائل على توحيد الله وقدرته . ثم قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } . أي : ابتدعها . فمن ابتدع هذه الأشياء وخلقها ، فله تجب العبادة لا لغيره . قال عكرمة : سئل ابن عباس عن الليل أكان قبل النهار أم قبل الليل ؟ فقال : أرأيتم السماوات والأرض حين كانتا رتقاً ، أكان بينهما إلا ظلمة ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار . والليلة اسم للزمان من غروب الشمس إلى الانفجار الثاني . واليوم : اسم للزمان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . وكذلك النهار ، واليوم ألزم لهذا الوقت من النهار ، لأن بعض العرب يجعل النهار من طلوع الشمس إلى غروبها . حكى ذلك عن بعضهم أبو حاتم في كتابه صفة البرد والحر وصفة أوقات الليل والنهار . وقد يقع اليوم ، اسماً للزمان ، من طلوع الشمس إلى غروبها . وذلك مما جرت به العادات من الاستجارات ونحوها مما تعارف ذلك بين الناس ، والأصل في اليوم ، أنه اسم للزمان الذي تَعَبَّدَ الله به خلقه بالصيام والنهار مثله في أكثر اللغات . وأصل الليل والنهار أنهما صفتان لزمانين معلومين على ما ذكرنا . وقد قال الخليل : النهار ما بين الفجر إلى الغروب . ثم قال تعالى : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } . قال مجاهد : " الفلك " كهيئة حديدة الرحى . وقاله ابن جريج . وقال الضحاك : " الفلك " هو سرعة جري الشمس والقمر والنجوم وسيرها . وقيل : " الفلك " : موج مكفوف تجري الشمس والقمر والنجوم فيه . وقيل : " الفلك " القطب الذي تدور به النجوم . وقال ابن عباس وقتادة : " في فلك السماء " . وقال ابن زيد : " الفلك " الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر . وقرأ : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } [ الفرقان : 61 ] . وقال : فلك البروج بين السماء والأرض ، وليست في الأرض . وعن الحسن أن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل . وقال : " يسبحون " لأنه أخبر عنها كما يخبر عمن يعقل . فأتى بالواو والنون في فعلها . ومعنى : " يسبحون " يجرون وينصرفون ويدورون . ثم قال تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } . أي : ما خلدنا أحداً من بني آدم في الدنيا ، فنخلدك يا محمد فيها . أفئن مت فهؤلاء المشركون خالدون بعدك في الدنيا . وتقديره : أهم الخالدون إن مت . ثم قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } . أي : كل نفس معالجة غصص الموت ، ومتجرعة كأسه . { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } . أي : ونختبركم أيها الناس بالرخاء والشدة وبما تحبون وما تكرهون ، لننظر صبركم عند البلاء وشكركم عند الرخاء . وقال ابن عباس : معناه : نبتليكم بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة / والمعصية والهدى والضلالة . ثم قال تعالى : { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } . أي : تردون فتجازون بأعمالكم . والرجوع إلى الله في هذا وفي كل ما في القرآن ، إنما معناه : إلى حكمه وإلى قضائه وعدله ، وليس برجوع إلى مكان الله ، ولا إلى ما قرب منه ، لأنه لا تحويه الأمكنة ، إنما هو بمنزلة قولك : رجع أمرنا إلى القاضي وإلى الأمير . فقرب المسافة لا يجوز على الله جل ذكره ، فافهمه . ثم قال تعالى : { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } . أي : يسخرون منك يا محمد إذا رأوك . يقول بعضهم لبعض : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } بسوء ويعيبها ، تعجباً من ذلك . فيعجبون يا محمد من ذكرك آلهتهم وهي لا تضر ولا تنفع . وهم بذكر الرحمان الذي خلقهم ، وأنهم عليهم كافرون . ثم قال تعالى : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . يعني : آدم خلق من العجلة وعلى العجلة . وقال ابن جبير : " لما نفخ في آدم الروح إلى ركبتيه ذهب لينهض فقال الله تعالى : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . وقال سلمان الفارسي : " لما خلق الله من آدم وجهه ورأسه ، جعل ينظر ، وهو يخلق ، قال وبقيت رجلاه . فلما كان بعد العصر قال : يا رب عجل قبل الليل . فقال : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . ذكره ابن وهب عن رجاله . وقال قتادة : " معناه : خلق الإنسان عجولاً . وقال السدي : لما نفخ الله في آدم الروح فدخل في رأسه ، عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله . فقال : الحمد لله . فقال الله تعالى له : رحمك ربك . فلما دخل الروح في عينيه . نظر إلى ثمار الجنة . فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن ينتهي الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . وقيل : معناه : خلق آدم آخر النهار من يوم الجمعة قبل غروب الشمس فكان خلقه على استعجال . قاله ابن جريج : وغيره . قال ابن جريج : خلق الله آدم بعد خلق كل شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق . فلما أتى الروح عينيه ولسانه ورأسه ، ولم يبلغ أسفله ، قال : يا رب ، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس ، فذلك قوله : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . وقد قال ابن زيد : معناه : خلق الإنسان على عجل . خلق آدم آخر النهار من يوم الجمعة ، فخلقه الله على عجل وجعله عجولاً . وقال الأخفش : إنما خلق الإنسان من عجل ، لأنه خلق على تعجيل من الأمر ، لأنه إنما قال له كن فكان . فخلق على استعجال وقال جماعة من النحويين : هو مقلوب . والمعنى : خلق العجل من الإنسان . وقيل : المعنى : خلق الإنسان من طين ، لأن العجل من الطين . ثم قال : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } . أي : سأوريكم أيها المستعجلون ربهم بالآيات ، القائلون لنبيه " فليأتنا بآية " فلا تستعجلون بالآيات فستأتيكم .