Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 47-59)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ } إلى قوله : { إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } . أي : ونضع الموازين العدل في يوم القيامة . " اللام " بمعنى : " في " . وقيل : " اللام " على بابها . والتقدير لأهل يوم القيامة . { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } . أي : لا يؤخذ / أحد بذنب غيره ، أو بذنب لم يعمله ، أو يسقط له ما عمله من خير . قال ابن عباس : هذا بمنزلة قوله : { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } [ الأعراف : 8 ] . وروي أن الميزان له كفتان ، وأن الأعمال تمثل بما يوزن . ويروى أنه إنما يوزن خواتمها . وقال سلمان الفارسي : توضع الموازين يوم القيامة ، فلو وضع في إحدى الكفتين السماوات والأرض ، لوسعتهن . فتقول الملائكة : ربنا لمن وضعت هذا ؟ فيقول : لمن شئت من عبادي . فيقولون : سبحان ربنا ما عبدناك حق عبادتك . وعن حذيفة : أن صاحب الميزان يوم القيامة جبريل صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم . وعن مجاهد : " الموازين " : العدل . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يذكر أحد حميمه عند الميزان " . وقوله : { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } . أي : إن كان له عمل من الحسنات أو [ عليه ] عمل من السيئات وزن حبة من خردل ، جئنا بها ، فوفينا كلاً ما عمل . وقال ابن زيد : " أتينا بها " أي كتبناها ، وأحصيناها له وعليه . وقرأ مجاهد : " أتينا بها ، بمعنى : جازينا بها . { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } . أي : وكُفينا حاسبين . أي : حسب من شهد الموقف ذلك اليوم بنا حاسبين . إذ لم يغب عنا من أعمالهم شيء . " وحاسبين " نصب على الحال ، أو على التمييز . وروى أحمد بن صالح عن قالون عن نافع : " القصط " بالصاد ، لأجل الطاء والأصل ، السين . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } . أي : أعطيناهما الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل . وهو التوراة ، قاله قتادة . قال ابن زيد : الفرقان : الحق أتاه الله موسى وهارون ، ففرق به بينهما وبين فرعون . قضى بينهم بالحق ، وهو مثل : { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [ الأنفال : 41 ] يعني : يوم بدر . وهذا القول اختيار الطبري لقوله : وضياء . فالضياء هو التوراة ، أضاءت لهما ولمن اتبعهما أمر دينهم . وفي دخول الواو في " وضياء " دليل على أن الضياء غير الفرقان . وقوله : { وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } أي : وذكراً لمن اتقى الله بطاعته ، وخاف ربه بالغيب أن يعاقبه في الآخرة . { وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } . أي : من قيام القيامة حذرون أن تقوم عليهم ، فيردوا على ربهم مفرطون فيما يجب عليهم من طاعته . وقرأ ابن عباس : " الفرقان ضياء " بغير واو . فيكون الفرقان على هذه القراءة التوراة بغير اختلاف . ثم قال تعالى : { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } . يعني القرآن . { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } . تقرير وتوبيخ للمشركين الذين أنكروه وقالوا : { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } . ثم قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ } . أي : ولقد وفقنا إبراهيم فأعطيناه هداه من قبل موسى وهارون . قال مجاهد : " معناه : هديناه صغيراً " . وقال ابن عباس : لما خرج وهو صغير من الموضع الذي جعل فيه ، رأى كوكباً في السماء ، وهي الزهرة تضيء فقال : هذا ربي . فلما غابت ، قال : لا أحب الآفلين . ثم فعل ذلك مع الشمس والقمر . ثم قال : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] . وقوله : { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } . أي : عالمين أنه ذو يقين وإيمان بالله . إذ قال لأبيه : " أي حين { قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } . أي : ما هذه الصور التي أنتم عليها مقيمون . يعني أصنامهم التي كانوا يعبدون . ثم قال : { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } . أي : قالوا لإبراهيم إنما عبدنا هذه الأصنام لأنَّا وجدنا آباءنا لها عابدين . قال لهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم : { لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : في ذهاب عن الحق بعبادتكم هذه الأصنام . " مبين " أي : ظاهر . قالوا لإبراهيم { أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } أي : أحق ما تقول . أم أنت لاعب من اللاعبين . قال لهم إبراهيم : { بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ } أي : بل جئتكم بالحق لا باللعب . " ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن " أي : خلقهن . { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } أي : أنا شاهد من الشاهدين أن ربكم رب السماوات والأرض / دون التماثيل التي تعبدون . ثم قال : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } . أقسم إبراهيم بهذا في نفسه سراً من قومه ، لم يسمعه منهم أحد إلا الذي أفشاه عليه . إذ قال : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [ الأنبياء : 60 ] . قال مجاهد : قال ذلك إبراهيم حين استأذنه قومه إلى عيد لهم فأبى وقال : " إني سقيم " ، فسمع منه وعيد أصنامهم رجل منهم استأخر وهو الذي يقول : " سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " . ثم قال تعالى ذكره : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } . أي : فجعل الأصنام حطاماً إلا صنماً كبيراً لهم ، فإنه تركه لم يحطمه ، وعلق الفأس في عنقه ليحتج به عليهم إن فطنوا به ، وهو صنم كبير في الصورة . وقيل : هو أكبرها عندهم ، لا أكبرها في صورته . وقوله : { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } . أي : لعلهم يؤمنون به إذا رأوها مكسرة لم تدفع عن أنفسها ضر من أرادها ، ولم يدفع عنها كبيرها شيئاً . قال السدي : " قال أبو إبراهيم له ، إن لنا عيداً لو خرجت معنا ، والله قد أعجبك ديننا . فلما كان يوم العيد خرجوا إليه ، معهم إبراهيم فلما كان ببعض الطريق ، ألقى نفسه وقال : إني سقيم أشتكي رجلي وهو صريع . فلما مضوا ، نادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } فسمعوها منه . ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة ، فإذا هن في بهو عظيم ، مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه ، بعضها إلى جنب بعض يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو ، وإذا هم قد جعلوا طعاماً فوضعوه بين يدي الآلهة . قالوا : إذا كان حين نرجع ، رجعنا وقد باركت الآلهة في طعامنا ، فأكلنا . فلما نظر إليها إبراهيم ، وإلى ما بين أيديها من الطعام . قال : { فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } . فلم تجبه . فقال : { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } فأخرج حديدة فنقر كل صنم في حافتيه ، ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبر ، ثم خرج ، فلما رجعوا ، قالوا : { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } . " والجذاذ " بالضم جمع جذاذة ، كزجاجة وزجاج . وقيل : هو مصدر كالحطام والرفات . ومن كسر جعله جمع جذيذ وجذيذ معدول عن مجذود كجريح بمعنى مجروح ، فيكون ككبير وكبار وصغير وصغار وثقيل وثقال . وقال قطرب : هو مصدر ضم أو كسر أو فتح ، وهي لغات فيه بمعنى والجذاذ . أي : الحطام والفتات ، ومنه الجذيذة .